صلاحيته انتهت وتنفيذه فشل.. ما مصير “اتفاق الرياض” في اليمن؟
مجتهد نيوز // متابعات
بعد انتهاء المدة الزمنية المحددة لتنفيذ اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، المقدرة بشهرين كاملين، يبدو أن المشهد الاحتفالي الذي حضره ولي العهد السعودي وولي عهد أبوظبي مع الأطراف اليمنية لم يتعدّ كونه “مناسبة لأخذ صور تذكارية”، وسط فشل ذريع في تنفيذ ذلك الاتفاق، ورغم محاولة جديدة من الرياض لإنجاح الاتفاق.
وكان يُفترض ألا يمر اليوم الخامس من عام 2020 إلا وقد اكتمل تنفيذ اتفاق الرياض بجميع بنوده الموقع عليها، وفي مقدمتها تشكيل حكومة مناصفة بين شمال اليمن وجنوبه، وتعيين محافظين جدد للمدن الجنوبية، وإعادة تشكيل قوات الجيش والأمن، غير أن ذلك لم يتحقق بالكلية.
ومع الفشل في تنفيذ الاتفاق لجأت السعودية، في محاولة منها لإنجاحه، إلى إجبار الطرفين (الحكومة والانتقالي) على التوقيع على اتفاق تفصيلي لتنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض، الذي وقع في 5 نوفمبر الماضي، وسط تذمر كثير من المتفائلين بتنفيذه على أمل أن يؤسس لتسوية سياسية شاملة باليمن، مقابل استمرار سيطرة الإمارات على المشهد جنوباً عبر تشكيلاتها المسلحة المختلفة، والتي تمسك بزمام الحكم في معظم المدن الجنوبية.
فشل الاتفاق
وفي 5 فبراير 2020، حمّل وزير النقل اليمني صالح الجبواني، دولة الإمارات ومليشيا “المجلس الانتقالي الجنوبي”، المحسوب عليها، سبب فشل اتفاق الرياض، موجهاً تساؤلاً للسعودية، التي رعت الاتفاق، حول خطوتها المقبلة.
وقال الجبواني: إن “الاتفاق سقط وفشل بمساهمة من الإمارات ومرتزقتها”، في إشارة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، مشيراً إلى أن أبوظبي “هي من صممت الاتفاق لتضرب به مراكز قوة الشرعية في الصميم، وخصوصاً الشرعية المتواجدة على الأرض؛ من سياسيين وقادة عسكريين وأمنيين وسلطات محلية”، بحسب تصريحاته لوكالة “الأناضول”.
ووقعت الحكومة اليمنية و”الانتقالي الجنوبي”، بإشراف السعودية، على “اتفاق الرياض”، في 25 أكتوبر الماضي، لإنهاء الأزمة في “عدن” العاصمة المؤقتة للبلاد، وعرفت سيطرة للمليشيات المدعوماً إماراتياً على الأرض.
ونص الاتفاق على عودة الحكومة الحالية إلى عدن، والشروع في دمج جميع التشكيلات العسكرية في إطار وزارتي الدفاع والداخلية، وتشكيل حكومة كفاءات سياسية بمشاركة المجلس الانتقالي، فضلاً عن ترتيبات عسكرية وأمنية.
انتهاء المدة الزمنية
كان اتفاق الرياض، الذي وقع في الخامس من شهر نوفمبر 2019، قد نص على أن تكون آخر خطوات التنفيذ في 5 يناير 2020، بالشق العسكري والأمني؛ من خلال توحيد القوات العسكرية الواردة في الفقرة “3” من الاتفاق، وترقيمها وضمها لوزارة الدفاع، وإصدار القرارات اللازمة، وتوزيعها وفق الخطط المعتمدة تحت إشراف مباشر من قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن، خلال 60 يوماً من توقيع الاتفاق.
وتزامناً مع ذلك يعاد تنظيم القوات العسكرية في محافظتي أبين ولحج تحت قيادة وزارة الدفاع بالإجراءات ذاتها التي طُبقت بمحافظة عدن، خلال 60 يوماً من توقيع الاتفاق.
اتفاق الرياض
كما نص الاتفاق على إعادة تنظيم القوات العسكرية في بقية المحافظات الجنوبية تحت قيادة وزارة الدفاع، بالإجراءات نفسها التي طُبقت في عدن، خلال 90 يوماً من توقيع الاتفاق.
ولم تنفذ خطوات كان يفترض تنفيذها خلال الفترة الماضية؛ منها البنود المتعلقة بعودة القوات العسكرية والأمنية إلى مواقعها، وإعادة دمجها، خلال 15 يوماً من التوقيع، وتشكيل حكومة كفاءات سياسية تتوزع حقائبها مناصفة بين محافظات الشمال والجنوب، خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً، وتعيين محافظين جدد ومن ضمنهم محافظ العاصمة المؤقتة للبلاد.
ولم يتحقق من الاتفاق سوى بند واحد؛ تمثل بعودة الحكومة اليمنية التي يرأسها معين عبد الملك إلى عدن، وحتى ذلك لم يحدث أيضاً إلا بعد مرور أسبوعين من الاتفاق، على الرغم من أن الموعد كان بعد مرور 5 أيام فقط، كما منع كثير من الوزراء من العودة إلى عدن؛ لعدم رغبة مليشيا “الانتقالي” بوجودهم.
محاولة إنقاذ الاتفاق
ويبدو أن السعودية وجدت نفسها في مأزق حقيقي؛ فعملت- من أجل حفظ ماء وجهها- على دفع الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، أواخر شهر ديسمبر الماضي، إلى تشكيل لجنة خاصة تتكون من ثلاثة من مستشاريه بمتابعة تنفيذ الاتفاق.
وقال رئيس اللجنة الرئاسية، رئيس الحكومة السابق أحمد عبيد بن دغر، في صفحته على “فيسبوك”: إن “الاتفاق يمثل مدخلاً مهماً وفرصة قد لا تتكرر لتحقيق السلام في عدن والمحافظات التي شهدت صراعاً دموياً، في أغسطس الماضي”، في إشارة إلى المواجهات بين الحكومة والانتقالي المدعوم من الإمارات، في 10 أغسطس 2019، التي انتهت بسيطرة الأخير على العاصمة عدن، وتنفيذ انقلاب جديد على غرار انقلاب الحوثيين بصنعاء.
وأضاف: “لا مناص من كسر الجمود الذي أخل بالبرنامج الزمني، الأمر الذي خلق بواعث جديدة لدى المواطنين من احتمال العودة لأعمال العنف التي ألحقت أضراراً جسيمة بمؤسسات الدولة وبأمن المواطن”.
وحذر من أن تشهد العاصمة المؤقتة عدن صراعاً جديداً، معتبراً أن الخطوة الأولى للتعاطي مع الاتفاق هي “القبول بالآخر في إطار من العيش المشترك”.
وعلى الرغم من وصول قوات سعودية إلى مدينة عدن للإشراف على تنفيذ الملحقين العسكري والأمني، أقر قائد القوات السعودية، العميد مجاهد العتيبي، بأن هناك صعوبات كبيرة في تنفيذ الاتفاق على الأرض، وما لبث أن استدرك بأن ذلك “ليس مستحيلاً”، مشيراً إلى أن بلاده قادرة “وبكل حزم” على تذليل الصعوبات والعمل على تنفيذ جميع البنود.
توقيع جديد
وعاد بن دغر، في الـ9 من يناير المنصرم، إلى الحديث عن اتفاق تفصيلي يشمل مصفوفة الانسحابات المتبادلة وعودة القوات إلى مواقع متفق عليها، وتبادل الأسرى، وتعيين محافظ ومدير أمن لمحافظة عدن، معتبراً ذلك نقلة لاتفاق الرياض إلى مرحلة متقدمة على طريق التطبيق الشامل للاتفاق في شقه العسكري.
وقال بن دغر إن الاتفاق الأخير “سيمنع أي تفكير نحو القيام بأعمال عسكرية، وذلك في أعقاب تهديدات أطلقها الانتقالي باتخاذ موقف من اتفاق الرياض، بعد انتهاء المدة الزمنية لتنفيذه نهاية شهر يناير”.
ونص الاتفاق الجديد على مدة لا تزيد على 20 يوماً، تبدأ من السبت 11 يناير، لتنفيذ اتفاق الرياض، وتشمل جمع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من عدن، وتجميعها تحت إشراف مباشر من السعودية، وتبادل أسرى أحداث أغسطس الماضي، وتنفيذ أولى خطوت الشق السياسي لاتفاق الرياض، لا سيما ما يتعلق بتعيين محافظ ومدير أمن لعدن من قبل الرئيس هادي بعد التشاور.
وبدا واضحاً تحرك السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، للوصول إلى عقد اتفاق على تنفيذ اتفاق الرياض، لتدارك الفشل الذي بدا واضحاً بعد انقضاء المدة الزمنية لتنفيذه، وإعلان الانتقالي تعليق مشاركته في لجان تنفيذ الاتفاق.
كما وصل وفد دبلوماسي رفيع يضم سفير الاتحاد الأوروبي لدى اليمن هانز جروندبرج، والسفير الفرنسي كريستيان تيستو، وسفير الاتحاد السويسري غير المقيم لدى اليمن بالز اببلانالب، وآخرين، إلى عدن في 12 يناير المنقضي، في محاولة للضغط على الحكومة والانتقالي لإنجاح الاتفاق.
وعلاوة على الاتهامات المتبادلة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي بالتسبب في عرقلة تنفيذ اتفاق الرياض، فإن عدداً من بنود الاتفاق بدت فضفاضة، وتسبب بعضها في تقديم كل طرف تفسيراً مغايراً، وصولاً إلى الاتفاق الجديد الذي يبدو أنه محاولة للفصل بين التفسيرات المتباينة.
حصر الأسلحة وانتشار القوات
عقب الاتفاق الجديد قامت اللجنة الخاصة التابعة للتحالف العربي الذي تقوده السعودية بحصر الأسلحة المتوسطة والثقيلة من معسكرات مدينة عدن، العاصمة المؤقتة (جنوبي البلاد).
تتكون اللجنة من تسعة ضباط عسكريين من التحالف والحكومة والانتقالي، وأجرت في وقت سابق حصراً للقوى البشرية والأسلحة في معسكرات بدر واللواء الأول مشاة واللواء الثالث حماية رئاسية، بالإضافة إلى معسكر اللواء الأول حماية رئاسية في قصر معاشيق بعدن.
ووفق التقرير فإن اللجنة أخذت تعهدات من قِبل قيادة الوحدات والمعسكرات بنقل تلك الآليات والأسلحة إلى معسكر راس عباس، الذي تشرف عليه قوات التحالف.
وفي المقابل قال قائد أركان اللواء الثالث حماية رئاسية (حكومية)، العقيد مصطفى الكازمي، إن القوات الأمنية تواصل انتشارها في المواقع والنقاط العسكرية في مديريات محافظة أبين، شرق مدينة عدن.
وأشار الكازمي إلى أن القيادة الأمنية وجهت بتفعيل المواقع العسكرية في منطقة عكد التابعة لمديرية لودر، وصولاً إلى مديرية المحفد، لفرض الأمن، وفق موقع “المصدر أونلاين” اليمني.
شرعية للانتقالي دولياً.. ودعم سعودي إماراتي
يقول أستاذ العلاقات الدولية اليمني ناصر الحزمي، إن اتفاق الرياض ليست المسألة فيه متعلقة بعرقلته؛ “بل إن هدفه كان بالأساس منح المجلس الانتقالي الممول من أبوظبي صفة شرعية إقليمية، وشرعية في الحقل السياسي اليمني، واعترافاً به في الحقل السياسي والتفاوضي، وكذلك على مستوى تمثيل هوية جنوبية”.
ويؤكد، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن الأمر “لم يعد مجرد عرقلة كما يتم الحديث عنه، بل إنه يشبه إلى حد كبير المبادرة الخليجية (2011)، التي جددت شرعية الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وقبل اليمنيون ذلك حتى يتم التخفيف من الكلفة المجتمعية والوطنية، ولذلك قبلت السلطة الشرعية اتفاقية الرياض”.
اليمن
ويرى أن اتفاق الرياض الذي أعدته السعودية بما يناسب الإمارات “وعملاءها باليمن يمثل بالنسبة إلى السلطة والحكومة الشرعية عملية اغتيال ذاتية لها؛ لكونه اغتالها وأضعف دورها، الضعيف أصلاً، وهو ما يوضح دور الحكومة الموجودة حالياً بعدن، التي لا تستطيع التحرك إلا في إطار القصر فقط”.
من جانبه رأى الناشط السياسي صدام الجعدبي أن المجلس الانتقالي في عدن “بات يتصرف وفقاً لتوجيهات أبوظبي، وسط صمت سعودي متعمد”.
واعتبر أن التداعيات المتوقعة لهذا التصعيد “هي تعزيز أهداف التحالف المتعلقة بسيطرتها على المناطق المحررة دون الالتفات إلى الهدف الأساسي الذي من أجله تم الاستنجاد بالسعودية للتدخل العسكري في اليمن، في مارس 2015، لإنهاء انقلاب الحوثيين في صنعاء”.
وأضاف، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن الانتقالي “لن ينفذ الاتفاق الذي رعته السعودية على غرار ما قامت به مليشيا الحوثيين في اتفاق السويد 2018 (اتفاق استوكهولم)، وهذا يعني أنه ينفذ مخططات الإمارات التي تريد الاستمرار في سيطرتها على اليمن بما يحقق لها مزيداً من المكاسب”.
فرصة أخيرة
ويرى الناشط السياسي محمد المعلمي أن التوقيع الجديد جاء خطوة من الرياض لتسريع تطبيق المرحلة الثانية في محاولة لإنقاذ الاتفاق من الفشل.
ويؤكد لـ”الخليج أونلاين”أن التوقيع الجديد جاء في وقتٍ كان يفترض فيه الانتهاء من تطبيق الاتفاق، الذي انتهى في 5 يناير الماضي، مضيفاً: “هذا الأمر يكشف عن فشل، وقد أُعيد توقيع اتفاق آخر، خاصة أنه ظهرت فيه بنود لم تكن موجودة في الاتفاق الآخر مثل بند إطلاق سراح المعتقلين، الذي حدث قبل أيام”.
ويشير في حديثه إلى أن تسريع هذا الاتفاق جاء بالتزامن مع تصاعد التوتر في المنطقة، ومخاوف من حرب بين طهران وواشنطن، مضيفاً: “يبدو أن ذلك ساعد السعودية للضغط من أجل إعادة تطبيق اتفاق الرياض أو فرض اتفاق آخر”.
انقلاب على الرئيس
ومطلع يناير 2020، اتهم وزير النقل صالح الجبواني، رئيس الحكومة معين عبد الملك، بتنفيذ “انقلاب” على الرئيس اليمني في عدن بتخطيط إماراتي.
وقال الجبواني في تغريدة عبر “تويتر”: إن “عبد الملك عاد في 11 نوفمبر الماضي إلى عدن، وباقٍ حتى اليوم، مع رفض المليشيا تنفيذ اتفاق الرياض”.
عاد رئيس الوزراء في ١١/١٨ إلى عدن وباقي حتى اليوم مع رفض المليشيا تنفيذ الإتفاق.. هذا إنقلاب جديد من قبل رئيس الوزراء وداعميه ضد الرئيس هادي بتأسيس غطاء لسلطة الإنقلاب المليشياوي وتنفيذ ما خططت له الإمارات نصاً وروحاً.. معين ينفذ إنقلاب على الرئيس هادي في عدن هذا ما يجري بالضبط.
واعتبر أن هذا “انقلاب جديد من قبل رئيس الحكومة وداعميه ضد الرئيس هادي، بتأسيس غطاء لسلطة الانقلاب المليشياوي، وتنفيذ ما خططت له الإمارات نصاً وروحاً”.