الضجة المفتعلة والمثارة حاليا حول اقالة او استقالة الوزير جورج قرداحي لا تخرج عن كونها “قنبلة دخان” فقط، تأتي في اطار خطة أمريكية إسرائيلية لترهيب ايران واذرعها العسكرية في المنطقة، واجبارها على التخلي عن طموحاتها النووية سلما (عبر مفاوضات فيينا) او حربا من خلال ضربة عسكرية يجري التحضير لها عمليا في الأجواء وعلى الأرض، ومن المؤكد ان المملكة العربية السعودية والدول الخليجية الثلاث التي تضامنت معها، وطردت السفراء اللبنانيين من عواصمها، تمثل طرفا رئيسيا في هذه الخطة.
حذرنا في افتتاحية سابقة من “تسريبات” معهد الشرق الأدنى للسياسات، العمود الفقري للوبي الاسرائيلي في واشنطن، تطوع دينيس روس مبعوث أمريكا السابق للشرق الأوسط، بتمهيد الأرضية لهذه الخطة، حيث طرح روس في مقالة له في مجلة “فورن بوليسي” من تحول ايران الى دولة “حافة نووية”، وباتت تستطيع انتاج قنبلة نووية في زمن قصير جدا، ونصح الولايات المتحدة بإستخدام القوة، وارسال طائرات “B.1” القاذفة العملاقة وتزويدها “بام القنابل” القادرة للوصول الى أعماق الجبال لتدمير المنشآت النووية الإيرانية.
هناك خمسة مؤشرات “عملية” تؤكد ان هذا السيناريو الذي نظّر له روس في تلك المقالة، دخل مرحلة التنفيذ العملي بتوزيع الأدوار على جميع الأطراف المشاركة فيه الى جانب أمريكا، من إسرائيليين وعرب:
أولا: تقرير اخباري لوكالة “رويترز” العالمية بثته اليوم عن تجوال قاذفة أمريكية عملاقة من طراز “1” جنبا الى جنب مع طائرة إسرائيلية من طراز “اف 15″، في أجواء منطقة الجزيرة العربية والخليج، في رسالة تهديد الى ايران، واعلن الجيش الإسرائيلي في بيان رسمي مصحوب بصورة للطائرتين، ان هذه الرحلة تجسد التعاون العملياتي المستمر مع القوات الامريكية في المنطقة، هذه الطائرة الامريكية العملاقة قادرة على حمل “ام القنابل” الخارقة للتحصينات الجبلية وتحت الأرض وقنابل نووية أيضا.
ثانيا: تصريحات الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، التي ادلى بها على هامش مشاركته في قمة العشرين في روما، وقال فيها “ان الازمة مع لبنان تعود الى هيمنة “حزب الله”، ولا بد من تحرير لبنان من هذه الهيمنة”، واكد “ان المفاوضات مع ايران توقفت، ولم تتوصل الى أي تقدم يبعث على التفاؤل، ولهذا لم يتم تحديد أي موعد للجولة الجديدة القادمة”، مما يعني ان قرداحي كان كبش فداء.
ثالثا: شن الطائرات الإسرائيلية غارات قوية استهدفت ريف دمشق الشمالي، وما قيل انه قافلة سلاح إيرانية كانت في طريقها الى “حزب الله” في لبنان، وذكر المصدر السوري لحقوق الانسان ان خمسة شهداء سقطوا بسبب القصف الصاروخي المذكور، بينما اكد البيان السوري سقوط بضعة اشخاص جرحى، وهذه هي الغارة الثانية في غضون أسبوع، حيث استهدفت الأولى مواقع ومخازن أسلحة يقال انها تابعة لإيران والجيش السوري في مدينة تدمر الاثرية مما أدى الى استشهاد 50 جنديا على الأقل، حسب المعلومات الموثقة المتوفرة لدنيا.
رابعا: اجراء دولة الاحتلال الإسرائيلي هذه الأيام مناورات عسكرية بكل أنواع الأسلحة في محاكاة لحدوث حرب شاملة يشارك فيها آلاف الجنود والقوات الأمنية لمواجهة اضطرابات في القرى العربية في حالة اشتعال فتيل الحرب مع ايران، وكيفية عيش المستوطنين اليهود في المدن والقرى في الملاجئ لفترات طويلة، والتصدي لآلاف الصواريخ من عدة جبهات، خاصة جنوب لبنان وغزة، والتدريب على التعاطي والتأقلم مع احتمالات قطع امدادات الكهرباء والماء، وتعطل الخدمات العامة الأخرى.
خامسا: تصريحات نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي التي وردت في خطابه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، وقال فيها “برنامج ايران النووي وصل الى مرحلة فاصلة، وكذلك تسامُحنا.. لن نسمح لإيران بإمتلاك أسلحة نووية”.
معظم هذه التهديدات ليست جديدة، ولهذا لن تعطي اؤكلها في “ترهيب” ايران ومحور المقاومة، واستهداف لبنان الخاصرة الضعيفة، وسورية الدولة المحاصرة التي تواجه حروبا على عدة جبهات منذ عشر سنوات، يؤكد هذه الحقيقة، ومثلما كان الرد الإيراني بإستهداف قاعدة التنف العسكرية الامريكية في مثلث الحدود الأردنية السورية العراقية ردا على غارة تدمر، من غير المستبعد ان تكون هناك ردودا أخرى اكبر حجما وتأثيرا، ولعل الصواريخ التي ضربت محيط السفارة الامريكية في بغداد اليوم رسالة تحذير تقول مفرداتها ان الضربة القادمة قد تستهدف قاعدة “عين الأسد” الامريكية في الأنبار مرحلة الرد في الزمان والمكان المناسبين انتهت وربما الى غير رجعة.
مشاركة المملكة العربية السعودية في هذا السيناريو الأمريكي الإسرائيلي بإفتعال ازمة تصريحات الوزير قرداحي، وربما في سيناريوهات اخرى تطور خطير جدا، قد ينعكس سلبا على أمنها واستقرارها، فقد يأتي الرد من تحالف “انصار الله” الحوثي في اليمن، ليس بالسيطرة على مأرب فقط، وانما تكثيف الضربات في العمق السعودي، ومن غير المستبعد أيضا ان تكون هناك ضربات من قبل الحشد الشعبي العراقي تستهدف أهدافا اقتصادية وعسكرية سعودية أيضا.
أي حرب قادمة لن تكون طريقا من اتجاه واحد، والأزمات السياسية والمعيشية لن تقتصر على لبنان وحده، وهناك اكثر من قرداحي في السعودية، ودول الخليج الأخرى، ونختم بالقول ان القادة السعودية لم تنجح في عزل لبنان، وانما في عزل نفسها عربيا، فلم تؤيدها الا ثلاث دول خليجية، بينما يؤيد لبنان ويتضامن مع شعبه في محنته اكثر من 400 مليون عربي، وضعف هذا الرقم من المسلمين، ان لم يكن اكثر.. والله اعلم.