كتب البروفيسور العراقي “كمال مجيد” في صحيفة راي اليوم مقالا تحليليا عن الوضع العراقي بعنوان ( طرفان للحرب في العراق لا ثالث لهما )
مجتهد نيوز//
بدأت المظاهرات في العراق في 1/10/2019 وكأنها محاولة سلمية يطالب المشتركون فيها بالماء والكهرباء وايجاد العمل للشباب العاطلين وغيرها من المطاليب الحقيقية التي تحتاج الى الاستجابة بسرعة. ومنذ اليوم الاول تبدلت طبيعة هذه المظاهرات وتحولت بسرعة الى حرب مسلحة بين عدوين لدودين. اشترك عدد هائل من الشباب في بغداد وفي المحافظات الجنوبية في المظاهرات لكونهم ذاقوا الامرين من الفساد المنتشر بعمق في كافة شؤون الدولة من الحكومة الى البرلمان والى المحافظات منذ احتلال امريكا لبغداد في 9/4/2019 دون توقف. بسرعة مدهشة اصبح اسقاط حكومة عادل عبد المهدي مطلبا ً البارزا ً وكأنه مسؤول عن كل مصائب البلاد. بهذا الخصوص لا بد من توضيح ثلاث نقاط مهمة:
1 – لم يخلق عادل الفساد. كلاّا !! الجيش الامريكي خلقه منذ اليوم الاول وامام عدسات التلفزيون العالمية. ان عملاء امريكا وجنودها فرهدوا المتحف العراقي وسرقوا معظم محتوياته وما زال السراق يبيعون التحف المسروقة في اسواق نيويورك علنا ً. ان عملاء امريكا وجنودها سرقوا المكتبة العراقية التي كانت تحوي التحف المكتوبة منذ العهد العباسي وانتقلت اهمها الى مكتبة الكنغرس في امريكا.
عملاء امريكا فرهدوا (من فرهود ويعني باللهجة العراقية: السرقة بالجملة وبصورة عشوائية من قبل عدد كبير من السراق) ممتلكات كافة الوزارات العراقية امام اعين القوات الامريكية، عدا بناية وزارة النفط التي نالت حماية جنود الاحتلال لأسباب استراتيجية لشركات النفط الامريكية. بسرعة البرق وصل الوف الاكراد الى بغداد والمدن الجنوبية واغتصبوا عشرات الالوف من السيارات الاهلية وباصات الأمانة والمكائن، وهم ينالون حماية القوات الامريكية، ونقلوها الى المدن الكردية وباعوا الكثير منها الى ايران. سرقت بيشمرغة الحزبين الكرديين كافة اسلحة الجيش العراقي بما في ذلك الاسلحة الثقيلة والدبابات ومازالت البيشمرغة تستخدم هذه الاسلحة بصورة علنية. لم يشترك عادل في اي من هذه السرقات.
ان العمل الرئيسي لمجلس الحكم وحكومات اياد علاوي وابراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي كان نشر الفساد، بما في ذلك السرقات وتوزيع المقاولات الوهمية واختلاق الموظفين الفضائيين. لقد اعترف حيدر العبادي، حين كان رئيسا ً للوزراء، بوجود مئات الالوف من الفضائيين في الجيش ولم يعمل شيئا ً واحدا ً لوضع حد لهذا الفساد الشنيع. انه فشل حتى في تأسيس ((حكومة تكنوقراط)) لوضع حد للفساد المنتشر في عروق حكومته. لقد اشتهر العراق كالبلد الثالث في الفساد في العالم منذ ايام ابراهيم الجعفري. لقد اصبح الفساد ضروريا ً لتشكيل حكومات المحاصصة منذ حكومة اياد علاوي حين اخذ الوزراء، بل اعضاء البرلمان، يشترون مناصبهم بدفع الملايين. كل هذا حدث قبل تشكيل حكومة عادل عبد المهدي. هل هناك شخص واحد في العراق يستطيع ان ينكر هذه الحقائق؟
2 – لا يستطيع عادل عبد المهدي ان يقضي على الفساد. اولا ً لأنه يخاف من ان يقوم احد الفاسدين بتوجيه التهم ضده. في الحقيقة انه اعترف كوزير النفط بفساد وزارته حين صرح بأن (( الموظف العراقي يعمل لمدة 20 دقيقفة في اليوم)) ولم يعمل شيئا ً لانقاذ وزارته من هذه الآفة. ثم ان الفساد الذي انتشر في عمق الدولة وتشعباتها بهذا الشكل العويص يحتاج لسنوات للقضاء عليه. فكلام تلفزيون الحرة الامريكية حول انتشار الفساد في ربوع رجال الدين في كربلاء والنجف كان لسبب أخر. انه كان لتوجيه الانتباه وتعبئة الناس للاشتراك في المظاهرات التي تلت. هكذا كان ايضا ً قصد تلفزيون الـ ( بي بي سي البريطانية) عند نشرعدة حلقات حول زواج المتعة وذلك من 29/9/2019 وحتى 6/10/ 2019 ، اي قبل واثناء المظاهرات الدموية في العراق. تبعتهما شلة معروفة من المرتزقة في الجرائد العربية.
3 – تعمل امريكا التخلص من عبد المهدي لا لكونه فاسد أو لانه يرفض محاربة الفساد. انها تستخدم المظاهرات المسلحة لطرده من الحكومة لأنه اضر بمصالحها الاقتصادية والسياسية الحساسة. فهو متهم بمساندة الحشد الشعبي ومعاملته كمؤسسة رسمية. انه قام بزيارة الصين بالرغم من تحذير وزير الخارجية الامريكي بومبيو له واتفق معها على تنفيذ عدد من المشاريع الحيوية. انه حاول الحصول على سلاح الدفاع الجوي من روسيا اسوة بسوريا وايران وتركيا. انه اعلن عن موقف العراق الرسمي ضد صفقة القرن الامريكي. انه فتح معبر القائم بين سوريا والعراق، مما سهل الانتقال بين ايران وسوريا عبر العراق. لقد تجرأ عادل عبد المهدي ، وهذا هو الاهم، واتهم اسرائيل بقصف مواقع الحشد الشعبي داخل العراق. هكذا اصبح عبد المهدي عدوا ًمنبوذا ً عند امريكا فقررت اسقاط حكومته.
بعد مرور شهر على المظاهرات الدموية تبلورت جبهتان في الصراع الدائر: – من جانبها عرضت تلفزيزن الحرة الامريكية برنامجا ً مطولا ً اصدره معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى يؤكد على اجتماع الجنرال قاسم سليماني الايراني مع ابو مهدي المهندس ( المطلوب كارهابي من قبل امريكا ) ومع فالح الفياض وقيس الخزعلي وأخرين من القادة المعروفين للحشد الشعبي وذلك لتشكيل خلية سرية للقيام بنشر القناصين لقتل نشطاء المحتمع المدني والصحفيين والمتظاهرين العزل ولحرق محطات التلفزيون المعادية للحكومة. وكل هذا بمساعدة الحرس الثوري الايراني. ثم تقوم مؤسسات ما يسمى بـ ((التواصل الاجتماعي )) كالفيس بووك و واتس آب بنشر هذه الاحداث كأخبار مؤلمة لحث الجمهور على الاشتراك في المظاهرات لاستنكار الجريمة.
يرّد الخبير الروسي في شؤون الارهاب نيكولاي ستاريكوف على تلفزيون روسيا اليوم في مقابلة مع الصحفي العراقي سلام مسافر ويقول : (( لكي يكره الشعب حكومته يجب اراقة الدماء. )) ويشرح: (( لزعزعة الاستقرار في العالم العربي الغني تستغل امريكا الاسباب الموضوعية لقيام المظاهرات لحث الشعب على كره الحكومة فتستخدم القناصات من السطوح المشرفة على المتظاهرين لقتلهم وقتل عدد أخر من رجال الشرطة . فيتأزم الشعور الشعبي وتكبر الاحتجاجات المعادية للحكومة …. خاصة بعد قيام تلفزيون الجزيرة والبي بي سى بنشر خبر الاصطدامات.)) وهذا ما حدث في العراق في اليوم الاول من المظاهرات التي كانت سلمية حتى جريان دم الابرياء. يؤكد ستاريكوف على دور القناصات الامريكية بهذا الشكل في مظاهرات تونس وليبيا وسوريا واليمن.
من الجهة المقابله نشر موقع ((زبدة الاخبار)) تحت عنوان (( كسرا ً لطاعة امريكا )) ليشرح سياسة عادل عبد المهدي الجديدة بالقول: ((بعد هيمنة التجاوزت لعقد تجردت الحكومة من وطأة الامريكان لتبدأ الاستثمارات مع الصين، كاسرة الولاء لواشنطن، مثيرة حفيظة بوبيو و ادانة اسرائيل، اكمل رئيس الوزراء كسر الولاء لامريكا. لم تكن ادانة اسرائيل بالحسبان ليتفاجأ الامريكان بوتيرة التصعيد واطلاق العنان لفصائل الحشد بالرد ليقع ما تخشاه واشنطن مقابل استقلال العراق….)) ويستمر في شرح قيام السفارة الامريكية في بغداد ببناء جيش الكتروني تلقى التدريب في قبرص … مع التنسيق مع منظومة اعلام حزب البعث بقيادة صلاح المختار في امريكا وعبدالله الدوري في دبي لتثوير الشارع العراقي بغية اسقاط حكومة عبد المهدي.
ثم ظهر برهم صالح ، رئيس الجمهورية، على تلفزيزن الميادين، نقلا ً عن موقع “اكسيوس ” ليصرح (( لكن سياسات ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب تجعل الامر صعبا ً، معتبرا ً ان القوة الحالية للولايات المتحدة توضع محل شك بطريقة جادة للغاية وحلفاء امريكا قلقون بشأن الاعتماد على واشنطن…. لكن اليوم لم يعد متأكدا ً من امكانية الاعتماد على الولايات المتحدة كـ “حليف ” معتبرا ً ان العراق قد يكون مستعدا ً لاعادة التفكير في علاقاته مع دول اخرى بما في ذلك روسيا وايران. )) هكذا يوضح برهم شكوكه حول الاعتماد على امريكا والتفكير بالتقارب من روسيا وايران. ولهذا التصريح المدهش اهمية خاصة لأنه يناقض علاقته وعلاقة الحكومة العراقية القوية مع امريكا في السنوات الماضية منذ الاحتلال.