عبدالباري عطوان : غزّة تقف على حافّة الانفجار ولا نَستبعِد اشتعال فتيل حرب كونية وشيكة عُنوانها الأبرز إطلاق آلاف الصواريخ.
أغسطس 29, 2020
عربي, محلي
402 زيارة
مجتهد نيوز |
كان الكثيرون يحسدون قطاع غزّة بسبب خلوّه كُلِّيًّا، ولأكثر من خمسة أشهر من فيروس الكورونا، ولكنّ هذه “النّعمة” التي كانت ربّما الوحيدة، في ظِلّ حِصارٍ إسرائيليٍّ خانقٍ، وتوقّف شِبه كامل للمُساعدات، تبخّرت في الأيّام الأخيرة، وحلّت محلّها حالةً من القلق والذّعر، بعد اكتشاف أكثر من 20 إصابةً جديدةً مُعظمها لعائدين من الخارج.
المُصيبة أنّ انتشار هذا الوباء يأتي في وقتٍ تتصاعد فيه الغارات الإسرائيليّة على أهدافٍ لحركات المُقاومة، وحركة “حماس” على وجه الخُصوص، والذّريعة إطلاق “بالونات” أدّت حتّى الآن إلى 400 حريق في المُستوطنات الإسرائيليّة شِمال القِطاع.
قِطاع غزّة الذي يَبلُغ عدد سكّانه حاليًّا حواليّ 2.2 إنسان، لا تزيد مساحته عن 150 ميلًا مربّعًا، ويُعتبر الأكثر كثافةً سكّانيّةً في العالم، وتُحذّر الأمم المتحدة بأنّه لن يَكُون صالحًا للمعيشة في أقلّ من خمس سنوات بسبب الحِصار الإسرائيليّ وانعدام الموارد والخدمات الأساسيّة، وارتفاع مُعدّلات البِطالة إلى أكثر من 80 بالمئة في أوساط الشّباب.
فإذا كانت دول عظمى مِثل الولايات المتحدة فشلت في مُواجهة هذا الفيروس القاتل، وهي التي تملك المُستشفيات المُتقدّمة فكيف سيكون حال القِطاع الذي يفتقر إلى الحدّ الأدنى من الخَدمات الصحيّة الأوّليّة، حيث المُستشفيات القديمة المُتهالكة، والكادر الطبّي المُنهَك، وانعدام وجود أجهزة التنفّس الصّناعي والأوكسجين بسبب الحِصار.
السلطات الإسرائيليّة تُغلق الحُدود، وتمنع الصيّادين الفُقراء من اصطياد السّمك مصدر الرّزق الوحيد لهم بعد تقليص المناطق المَسموح فيها، وتوقّف وصول شُحنات المازوت لتشغيل محطّة الكهرباء الوحيدة اليتيمة في القِطاع، وتدّعي أن كُل هذه الإجراءات بسبب البالونات الحارقة التي لم تقتل إسرائيليًّا واحِدًا.
قطاع غزّة يقف على حافّة الانفجار ولا نَستبعِد اشتعال فتيل حرب وشيكة يكون عُنوانها الأبرز إطلاق آلاف الصّواريخ على المُستوطنات الإسرائيليّة لأنّ أبناء القِطاع إذا خُيّروا بين الموت بوباء الكورونا، أو في مُواجهاتٍ مع قوّات الاحتلال، فإنّهم سيختارون الأخيرة حتمًا.
المُؤسف أنّ الوسطاء العرب الذين يزورون القِطاع، ويتواصلون مع المسؤولين الإسرائيليين، باتوا أدوات ضغط على القِطاع وسُلطة حماس التي تُديره، ولا يشرحون للعالم حجم هذه المأساة التي يعيشها القِطاع وأبناؤه، ويتحوّلون إلى “سُعاة بريد” ويتصرّفون بطريقةٍ حياديّة وكأنّهم مُواطنون سويّديون أو سويسريّون.
إذا انفجر قطاع غزّة، فإنّ الصّواريخ لن تتوقّف إلا بعد إلزام دولة الاحتلال باحترام كُل الاتّفاقات السّابقة ورفع الحِصار دون شُروط، فالوضع في ظِل انتشار الكورونا، واستِفحال الجُوع، وانعدام الخدمات، بات لا يُحتَمل، وأبناء القطاع من أشرف الرّجال والنّساء الذين لا يقبلون بالإذلال، والمهانة، وهُم الذين هزموا الاحتلال، وأجبروا إرييل شارون على الانسحاب ذليلًا ومعه كُل مُستوطنيه، لن يقفوا مكتوفي الأيدي في وجه الحِصار والكورونا، ولسان حالهم يقول الإنسان يستشهد مرّةً واحدةً.