عقب إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، الثلاثاء، تعليق مشاركته في المحادثات بشأن اتفاق تقاسم السلطة في الجنوب المعروف باسم “اتفاق الرياض”، شهدت مدينة عدن انتشارا أمنيا مكثفا وتصعيدا عسكريا في أبين، بحسب قيس الشاعر، وهو صحفي يمني مستقل يعيش في عدن، لـ”موقع الحرة”.
وتحاول السعودية تنفيذ الاتفاق، الذي جرى اقتراحه لأول مرة في نوفمبر، لإنهاء الصراع في الجنوب بين الانفصاليين الجنوبيين والحكومة اليمنية المدعومة من السعودية.
هل يتجدد القتال بين المجلس الانتقالي الجنوبي؟
وبدأت بوادر التوترات تعود من جديد بعد أن كانت قد هدأت رغم مناوشات خلال فترة المشاورات في الشهور الماضية وبعد إعلان الاتفاق على آلية تسريع اتفاق الرياض نهاية الشهر الماضي.
وبدأت قوات تابعة للانتقالي الجنوبي في عمليات مداهمة واعتقال لشخصيات محسوبة على الحكومة الشرعية في اليمن، بحسب الشاعر.
ويتوقع الكاتب الصحفي من عدن والقريب من المجلس الانتقالي الجنوبي وديع منصور في حديثه مع “موقع الحرة” أن تشتد حدة المواجهة في جبهة أبين بعد انسحاب المجلس الانتقالي الجنوبي من المفاوضات.
وأبين هي نقطة التماس، إذ تخضع مناطق فيها لسيطرة قوات حكومة عبد ربه منصور هادي، ومناطق أخرى لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي.
ومدينة أبين هي الفاصلة بين عدن التي تسيطر عليها قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، وبين مدينة شبوة التي تسيطر عليها القوات الحكومية.
“أسباب غير موضوعية”
ويقول منصور، إنه تم تعليق المشاركة في المشاورات لعدة أسباب، منها أن المقاتلين من جانب الحكومة لم يتوقفوا عن الاختراقات والمناوشات على الرغم من إعلان الموافقة على التهدئة، وعدم صرف المرتبات والمعاشات الشهرية منذ عدة أشهر وانهيار الخدمات العامة في محافظات الجنوب.
لكن الأكاديمي والباحث السياسي اليمني فارس البيل يرى في حديثه مع “موقع الحرة” أن تعليق المجلس الانتقالي الجنوبي مشاركته في مشاورات تشكيل الحكومة بمثابة تصعيد، “خاصة أن بعض أسبابه تبدو غير موضوعية”.
وأوضح أن “المجلس الانتقالي يقول إنه يعلق مشاركته في المشاورات بسبب عدم صرف المرتبات الشهرية وانهيار الخدمات العامة في عدن واستمرار انهيار العملة، رغم أنه يدرك أن هذه التداعيات بسبب حالة الصراع التي هو طرف فيها، وبالتالي فإن عودة الأداء والخدمات يستلزم استقرارا واتفاقا”.
وأضاف قوله: “هناك تقصير وضعف في أداء الحكومة، وعدم تعاطيها الجيد مع المشكلات، وغيابها الفاعل عن وضع الحلول وتحسين الخدمات”.
غير أن البيل يشير إلى أن “الجميع كان قد اتفق على الذهاب إلى حكومة كفاءات تحل كل هذه المشكلات، وبالتالي فالحل هو الانخراط في مسار التنفيذ بشكل جاد من الطرفين دون تصعيد أو خلق عثرات أمام رفع المعاناة عن الشعب اليمني الذي يعاني من الحرب والدمار ومن غياب الحكومة وفوق ذلك هذه الصراعات الإضافية”.
ويعيش المواطن اليمني في عدن في وضع صعب للغاية، حيث يتحدث الشاعر عن “غياب الكهرباء لأكثر من عشر ساعات، كما أن الوضع الصحي متدهور للغاية، وبعض الناس بدون رواتب منذ أشهر، ولا أدوية ولا علاج، والأسعار ترتفع بشكل يومي والعملة منهارة تماما”.
ودفعت حرب اليمن ملايين الأشخاص إلى حافة المجاعة ما استدعى إطلاق أكبر مناشدة إنسانية بالعالم.
مصير اتفاق الرياض
قد يؤدي انسحاب المجلس الانتقالي من المفاوضات إلى انهيار اتفاق الرياض، بحسب منصور.
ويوضح البيل أن “بوادر الالتحام لا تزال موجودة، طالما لم يتم تنفيذ النقاط المتعلقة بالشق الأمني والعسكري بشكل فاعل حتى الآن، وهناك تعثر واضح في هذه المسألة، من حيث خروج المسلحين وتسليم السلاح، وعودة القوات من الطرفين إلى مناطقها الأولى ومن ثم الدمج”.
ويضيف “إذا لم ينزع هذا الفتيل فقد يؤثر هذا الأمر على التقدم في الجانب السياسي في إطار تشكيل الحكومة.. وقد يُفشل اتفاق الرياض برمته”.
“لابد لطرف أن ينكسر”
ويستبعد الشاعر الوصول إلى حل خاصة في ما يتعلق بتسليم السلاح ودمج القوات بعد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن.
ويوضح “كيف يتم حل هذه القوات وبعض الشخصيات فيها أصبح لها مصالح تدر عليها أموالا من عقارات وإيرادات، لا يمكن أن يتخلوا بسهولة عن هذا الأمر، ولابد لطرف من الطرفين أن ينكسر في هذه المعركة حتى يمر اتفاق الرياض”.
من جانبه يقول البيل “نحن أمام خيارين، إما أن تضغط الدبلوماسية السعودية وتنجح في إنفاذ اتفاق الرياض، وتعود الحكومة المشتركة وتتحد الأطراف المنضوية مع التحالف، وتتفرغ لحل المشكلات والإعمار ومواجهة الحوثي، أو أن تفشل هذه الجهود وتدخل المناطق المحررة في صراعات متوالدة، وعندها لا تستطيع الحكومة العمل على الأرض ولا المجلس الانتقالي قادر على السيطرة والأداء وخدمة الناس، مما يؤدي إلى حالة من الفوضى والتشظي، والانهيار على كل المستويات”.
وستصبح اليمن أمام المجتمع الدولي كتلة من الصراعات المعقدة يصعب التعامل معها أو ترتيبها.
وعرقل الخلاف داخل المعسكر المناهض للحوثيين جهود الأمم المتحدة للتفاوض من أجل وقف إطلاق النار في الصراع الأكبر.
ويقول البيل “بالتأكيد هذا الصراع بين الأطراف المناوئة للحوثي منحه مساحة أكبر للتمدد والمناورة والتمرد أكثر حتى على مسار التفاوض الدولي والتعنت أكثر”.
وأضاف أنه “إذا فشلت جهود الصلح والاتفاق بين هذه الأطراف، فإن الحوثي هو المستفيد الأكبر، وهو ما يمكنه من ترسيخ بقائه في المناطق التي يسيطر عليها والتحكم فيها إلى أمد طويل”.
والحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، هما القوتان اليمنيتان الرئيستان في التحالف الذي تقوده السعودية لقتال الحوثيين الموالين لإيران، والذين أطاحوا بالحكومة من العاصمة صنعاء قبل خمسة أعوام.
والحليفان اليمنيان على خلاف منذ سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي في أغسطس الماضي على عدن التي كانت تتخذها الحكومة مقرا مؤقتا لها.
وتعرض اتفاق الرياض لانتكاسات عديدة ولم يطبق على الإطلاق لكن السعودية أعطته دفعة جديدة في يوليو لإنعاش العملية.