كشف الصحفي والكاتب العربي عبدالباري عطوان تفاصيل مهمة عن خفايا ما يحدث في العراق وما وراء اعتزال مقتدى الصدر.
وكتب في مقال له نشرته صحيفة “راي اليوم” ورصده محرر “النبا اليمني” ما يأتي نصه:
إذًا فعلها زعيمُ التيّار الصدري مقتدى الصدر، وإن تأخّرت قليلاً، وانتقد بدون مُواربة ما أسماها بثورة التيّار الصدري، والتي بدأت بالأمس على خلفيّة اعتزاله العمل السياسي نهائيّاً، فهبّ أنصاره غاضبين واقتحموا القصر الجمهوري، ثم اندلعت مُواجهات عنيفة بين أنصاره، وأطراف أخرى مدعومة من إيران، قيل أنها فصائل من الحشد الشعبي، نوري المالكي، تحالف الفتح.
من غير المعلوم تماماً، إذا كان اعتزال الصدر، كان الغرضُ منه ثورةً سلميّة أم مُسلّحة، وهل بالفعل خرج أنصاره عن توقّعاته كما قال عن السلميّة، وذهبوا للسّلاح، ولكنّها بالفعل ثورة صدريّة، وليست ثورة شعبيّة عراقيّة ضدّ النظام العراقي الحاكم، وصُور الصدر التي حملها المُتظاهرون بالأمس في القصر والمسبح، تُؤكّد ما أقر به الصدر اليوم بأنها ثورة أنصاره، وسط تساؤلات حول أسباب تأخّر كلمة الصدر حتى اليوم وإن كانت تحت ضغوط ما، والتي جاءت بدعوة أنصاره للانسحاب السّلمي والمُسلّح من مُحيط البرلمان العراقي، ولماذا لجأ للإضراب عن الطعام أوّلاً للاعتراض على القتل والعنف، وانتظر حتى سُقوط قتلى وجرحى، ثم دعا أنصاره لإنهاء الأزمة، والتي فتحت بوّابة الموت الدموي على العراقيين، وتنفّسوا بإغلاقها الصّعداء.
ولم يُقر الصدر بمسؤوليّته عن الأحداث الدمويّة التي وقعت، كما لم يُحمّل طرفاً على آخر مسؤوليّة الأحداث التي جرت، لكنّ أنصاره كانوا قد قالوا بأن اندفاعهم للعنف، جاء بعد إقدام أنصار الإطار التنسيقي بحرق خيامهم المنصوبة في مُحيط البرلمان العراقي.
بكُل حال نجح الصدر في تحشيد أنصاره بغضّ النظر عن نوايا التصعيد، وعدم إدراكه لتطوّرات قد تأخذ البلاد لحربٍ أهليّة، وحتى “شيعيّة- شيعيّة”، ثمّ عادَ وبإمهاله لهم 60 دقيقة للانسحاب من مُحيط البرلمان العراقي فرط عقد تظاهراتهم، والتهديد بالتبرّؤ منهم، ومُؤكّدًا أن الدّم العراقي حرام.
قد لا يكون مُهمّاً بالنسبة للعراقيين المكلومين بوفاة ذويهم (حصيلة القتلى وصلت إلى 30) جرّاء الاشتباكات التي اندلعت في المنطقة الخضراء المُحصّنة في العاصمة العراقيّة بغداد، معرفة المسؤول عن النزاع الذي اشتعل على خلفيّة “اعتزال” زعيم تيّار الصدر الحياة السياسيّة نهائيّاً، لكن البعض يُحمّله مسؤوليّة ما جرى، وتفلّت أنصاره الذين اقتحموا القصر الجمهوري، فالمُصاب أليم، لكن كلمة الصدر التي انتقدت حتى أنصاره، أنهت على الأقل التصعيد الميداني، ومخاوف تمدّد الاشتباكات حتى المحافظات، ولكن أزمة حل البرلمان الحالي من عدمه، وتشكيل الحكومة، لا تزال تُراوح مكانها، ما يفرض على السياسيين سُرعة إيجاد حُلول، حتى لا يعود المشهد إلى ليلة أمس الدّامية والمُخيفة لكل العراقيين.
ولافت أن الاشتباكات التي وقعت بالأمس، وتجدّدت اليوم في مُحيط البرلمان العراقي، تنوعّت بين السّلاح المُتوسّط والثقيل، ووصلت إلى إطلاق قذائف هاون، وصواريخ، وكل هذا حصل في المنطقة الخضراء المُحصّنة للمُفارقة، وسط تساؤلات عن كيفيّة دخول كل تلك الأسلحة إلى هذه المنطقة المُحصّنة.
وحظي موقف الصدر بترحيب عراقي، ولعلّه قطع الطريق على تأويلات نيّة التيار الصدري الدفع بالحرب الأهليّة والاقتتال والمشهد يبدأ باعتزاله العمل السياسي، ومن طرف دول مُستفيدة من تخريب العراق، كما أنه دفع بالطرف المُقابل “الإطار التنسيقي”، والذي أعلن هو الآخر إنهاء الاعتصام، وبالتالي انسحاب أنصاره المُتظاهرين من منطقة في طرف المنطقة الخضراء، كبادرة حُسن نيّة مُتبادلة، بعد انسحاب أنصار التيار الصدري، وهُنا يتقدّم العُقلاء لقيادة المشهد العراقي منعاً للانزلاق في نهايةٍ لا تُحمد عقباها.
التساؤل كان حاضرًا على ألسنة العراقيين، عن سبب غياب المؤسسة الأمنيّة العراقيّة الرسميّة عن المشهد، وترك الأطراف المًتصارعة للاشتباك المُسلّح، وتحوّل المشهد إلى حرب، يعتلي القناصة فيها السّطوح، ويُحاول العُزّل النجاة بحياتهم، فيما وصلت “مُتأخّرة” تعزيزات عسكريّة للجيش العراقي في مُحيط المنطقة الخضراء بعد ليلة دامية، فيما وجّه الصدر من جهته الشّكر لقوات الأمن على عدم الانحياز لأيّ جانب، ما طرح تساؤلات بأن عدم انحياز الجيش والشرطة لأيّ طرف، يعني ترك المدنيين، وتعريض حياتهم للخطر، والوقوف في منظر المُتفرّج، فلماذا لم يمنع الجيش العراقي على الأقل وقوع الاشتباكات، واعتقل كل المُشاركين فيها، تساءل عراقيّون.
موقف الصدر المُتوازن بنظر المراقبين والذي تجسّد بالاعتذار للشعب العراقي، قد يكون شكّل صدمة للباحثين عن فتنة، ولبعض محطّات التلفزة التي كانت مُهتمّة بعرض صور ومقاطع فيديو لحرق العراقيين (أنصار الصدر) للعلم الإيراني، وإنزال صور الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وزعماء الحشد الشعبي، فيما جرى تكرار توجيه اتهامات لإيران عبر تلك القنوات نيّتها تصفية مقتدى الصدر، وتوجيه مُشاهديها نحو ثورة عراقيّة ضدّ نفوذ إيران في العراق.
السُّؤال المطروح الآن، هل سينجح السياسيّون العراقيّون باستغلال فرصة نزع فتيل أزمة حرب أهليّة، والعمل على نزع سلاح المليشيات “الوقحة” كما وصفها الصدر والتي أعطت الأوامر كما قال بإطلاق الرّصاص، وهل سيكون حلّها مُمكناً بالفعل، فلولا وجودها (الفصائل المسلّحة) كما أكّد الصدر لما حصل ذلك، والذي يبدو أن اعتزاله السياسي حتى الآن كما يقول شرعي، لا سياسي ونهائي.
* رأي اليوم