أعلن الحوثيون استهداف مواقع إماراتية مساء الأحد أن 30 يناير، في هجوم هو الثالث من نوعه خلال أسبوع. وكان هجوم الأسبوع الماضي شمل طائرات مسيّرة وصواريخ بالستية وصواريخ كروز، هذا التصعيد يشير إلى أن الحوثيين يعتقدون أن لديهم الحق في توسيع نطاق الحرب إلى الإمارات، والقدرة على ذلك.
ورغم عدم سقوط ضحايا جراء هذا الهجوم فإنه يعد مؤشراً خطيراً وسيكون العديد من الانعكاسات الاقتصادية والسياسية على الإمارات بشكل خاص والمنطقة بشكل عام.
فمن الناحية الاقتصادية سوف تتأثر إمارة دبي العاصمة الاقتصادية للإمارات بشكل كبير كونها مركزاً رئيسياً للتجارة والسياحة الدولية، كما يسكنها عدد كبير من الوافدين من جميع أنحاء العالم. وقد عمد الحوثيون إلى إبراز قدرتهم على وقف الحركة الجوية وتعطيل الحياة الطبيعية في البلاد.
أما من الناحية السياسية فإن استمرار القصف الحوثي للإمارات يوحي بأن جماعة الحوثي لم تكن تهزأ عندما هددت بشن مزيد من الضربات للإمارات على غرار السعودية، كما أن استمرار الدعم الإماراتي لبعض الفصائل المسلحة في اليمن يشير إلى أن أبوظبي مستمرة فيما تقوم به في جنوب اليمن وأن رسالة الحوثيين لم تثنهم عن الاستمرار في سياستهم بل بالعكس هذا التصعيد سيجعل أبوظبي أكثر انخراطاً في الصراع اليمني.
وأفاد شهود عيان بأنهم سمعوا دوي 4 انفجارات على الأقل. وزعمت الوكالة الروسية أن الإمارات أعلنت إيقاف الرحلات الجوية وإنشاء منطقة “حظر طيران”.
ويرى مراقبون للشأن اليمني أنه، لا ينبغي الاستهانة بقدرة الحوثيين على وقف الحركة الجوية في مطار دولي كبير، كمطار أبوظبي.
في السياق، أبدت إسرائيل تضامنها مع الإمارات في مواجهة الهجمات الحوثية. ومع ذلك، فإن السياق العام لتوسيع الحوثيين نطاق هجماتهم إلى سماء أبوظبي يؤكد أن الخطر الإيراني في المنطقة تسارع نموه حتى باتت هجماته تمتد عبر قوس يبلغ نحو 3 آلاف كيلومتر من لبنان إلى الخليج، بحسب الصحيفة العبرية.
ما يعني أن إسرائيل هي الأخرى قد تكون مستهدفة من قبل الحوثيين الذين قد يلجأون إلى استهداف مناطق في إسرائيل لأسباب عديدة منها تنفيذ الأجندة الإيرانية في المنطقة، ومن ناحية ثانية لكسب الدعم والتأييد العربي في حال كان المستهدف في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتدَّعي وسائل الإعلام الإيرانية أن الإمارات قامت “بخدعة في ما يتعلَّق بالانسحاب من اليمن”. فقالت وكالة تسنيم الإيرانية: “واصلت الإمارات، التي تدَّعي الانسحاب من الحرب اليمنية منذ منتصف 2019، خططها لاحتلال البلاد، مثلما يتضح مما تصفه وسائل الإعلام الإيرانية جشع الإمارات المتصاعد في جنوب اليمن. بالإضافة إلى ذلك، تفتح الإمارات الجزر اليمنية أمام إسرائيل وتحاول تغيير الأوضاع الديموغرافية في مناطق اليمن الجنوبية”، حسب الرواية الإيرانية.
وادَّعت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية في مايو/أيار الماضي بناء قاعدة جوية جديدة في جزيرة ميون الاستراتيجية التي تقع في مدخل البحر الأحمر. وزعم كثيرون أنَّها مرتبطة بالإمارات.
شعر الإماراتيون بالقلق منذ 2018، حين استهدفهم الحوثيون لأول مرة. وقد هاجم الحوثيون بالفعل حقل الشيبة النفطي بالسعودية في أغسطس/آب 2019 وهددوا الإمارات في سبتمبر/أيلول 2019.
تعتقد إيران أنَّ الحرب تحولت العام الماضي لصالح الحوثيين، الذين تدعوهم “الجيش اليمني” و”أنصار الله”. وتقول طهران إنَّه “منذ 2019، حين بدأت ذروة هجمات الصواريخ والطائرات دون طيار اليمنية في عمق السعودية، كانت الإمارات قلقة للغاية من تكرار هذا السيناريو لديها”.
و”السيناريو” المقصود هنا هو تكرار هجوم أبقيق والهجمات الأخرى على السعودية. وساهمت إيران في تعزيز برنامج الطائرات دون طيار الحوثية منذ 2017. وصعَّد الحوثيون هجماتهم على المملكة. في الحقيقة، استخدمت إيران في عام 2019 أيضاً كتائب حزب الله في العراق لمهاجمة السعودية باستخدام الطائرات دون طيار. ثُمَّ وُصِفَ الهجوم بعد ذلك بأنَّه آتٍ من اليمن.
وحسابات إيران هنا واضحة. فقالت وكالة تسنيم: “تعي الإمارات، التي تجني معظم دخلها من السياحة والاستثمارات الأجنبية وأبراجها الضخمة، جيداً أنَّ أي خطوة خاطئة في اليمن سيكون لها تداعيات لا تُحتَمَل. في الواقع، هذه المنشآت الاقتصادية بالإمارات إضافة إلى الاستثمارات في اليمن هي كعب أخيل (نقطة ضعف) البلاد في حرب اليمن”.
وتستنتج إيران أنَّ الإمارات كانت تريد مواصلة دورها في اليمن لكنَّها “قلقة للغاية بشأن خطوة الحوثيين باستهداف العمق الإماراتي”، وبالفعل تحققت أسوأ مخاوفها.
لماذا استهدف الحوثيون هذه المنطقة تحديداً؟
تقول وسائل الإعلام الإيرانية إنَّ الحوثيين حللوا الأهداف الإماراتية وخلصوا إلى أنَّ “منطقة المصفاة الصناعية في أبوظبي، التي استُهدِفَت، هي أبرز منطقة صناعية في الإمارات. ويقع أقدم موانئ الإمارات في نفس المدينة، حيث توجد شركات ومصانع كبرى للتشييد والصناعات الثقيلة، ومصانع وشركات للصناعات الخفيفة وشبه الثقيلة، وشركات تكنولوجيا وهندسة صناعية دولية كبرى (عادةً ما تكون أمريكية وأوروبية)، وشركات وصناعات (التكنولوجيا الفائقة)”. لقد صُمِّم هذا الهجوم ليكون شبيهاً بهجوم “بيرل هاربور” الذي نفذه اليابانيون ضد أمريكا في مستهل الحرب العالمية الثانية.
يقول التقرير إنَّ الإمارات استثمرت بقوة في هذه المناطق، “لا سيما في قطاع الذكاء الاصطناعي، ويُعَد جزء آخر من المنطقة مركزاً لشركات السيارات الكبرى مثل Audi وMercedes-Benz وBentley”.
وخلُص التقرير الإيراني إلى أن الحوثيين سيضربون الإمارات أكثر فأكثر ما لم يحصلوا على ما يريدون، وهو وقف العمليات على جبهة شبوة، حيث تدعم الإمارات القوات اليمنية الشرعية.
الإمارات لديها نقطة ضعف كبيرة
ويهدف الحوثيون من خلال هذا الهجوم لاستغلال أكبر نقاط ضعف الإمارات، فرغم أنها تمتلك واحداً من أكفأ جيوش منطقة الخليج، وتواصل مراكمة السلاح مثلما بدا من صفقتها لشراء طائرات رافال الفرنسية وقبلها مساعيها لشراء إف 35 الأمريكية، وأخيراً شراء صواريخ مضادة للطائرات والصورايخ من كوريا الجنوبية، فإن نقطة ضعف الإمارات هي أنها أكثر بلدان المنطقة انفتاحاً خاصة في مجالات السياحة والعقارات والتجارة والصناعة ذات البعد الدولي.
وتقدم الإمارات نفسها كملاذ آمن للاستثمارات ومقر للشركات الدولية بالمنطقة، كل ذلك في حال أي هجوم عليها يصبح ذا تأثير معنوي مضاعف، فلا يمكن أن السائحين أو المستثمرين الأجانب سيأتون إلى دبي وهي معرضة لهجمات صاروخية حتى لو كانت خسائرها البشرية محدودة.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مديرة “منتدى الخليج الدولي” للأبحاث دانيا ظافر قولها: “يبدو أن الحوثيين يعرفون أن سمعة الإمارات في صميم أهدافها الاستراتيجية”، مشيرة إلى أنهم “يأملون بتحقيق ضربة موجعة مع تكلفة متدنية لهم”.