سقوط سقطرى.. هل بدأ العد التنازلي لتقسيم اليمن؟
مجتهد نيوز//
لغت التوترات والصراع على السلطة في اليمن ذروتها بداية هذا الأسبوع، مع سقوط سقطرى بالكامل في يد الانفصاليين المدعومين من الإمارات. وأصبحت الجزيرة الآن تحت سيطرة الانفصاليين الجنوبيين، أو يمكن القول أنها تحت سيطرة الإمارات، فلا فارق بينهما.
وشدد الانفصاليون المسلحون قبضتهم على الأرخبيل الواقع في بحر العرب، ورفعوا علم الدولة الجنوبية السابقة، وأسقطوا علم اليمن من أسطح المؤسسات الحكومية والوحدات العسكرية عبر الجزيرة.
وفرّ محافظ سقطرى “رمزي محروس” إلى محافظة المهرة، بعد أن استسلمت الوحدات العسكرية الموالية للحكومة. علاوة على ذلك، حشدت الشخصيات الانفصالية البارزة في الجزيرة الناس للاحتفال بـ”النصر”، فمن وجهة نظرهم، أصبحت سقطرى الآن حرة وآمنة.
دفعة للانفصاليين
ومن حيث الجوهر، فإن السيطرة على سقطرى سوف تشجع الانفصاليين الجنوبيين وتدفعهم للعمل من أجل الاستيلاء على المحافظات الجنوبية المتبقية، التي لا تزال تحت سيطرة الحكومة اليمنية، وهي حضرموت وشبوة والمهرة.
ويشير هذا التطور بوضوح إلى الطريقة التي جرى بها تقويض وحدة اليمن بشكل مطرد بسبب التدخلات الأجنبية التي لعبت دورا حيويا في خلق الواقع الذي تشهده البلاد اليوم.
ومنذ عام 2017، يقود المجلس الانتقالي الجنوبي الأنشطة السياسية والعسكرية في الجنوب سعيا للانفصال عن الشمال.
وأعلن المجلس الحكم الذاتي في جنوب اليمن في أبريل/نيسان من هذا العام، وعمل بلا كلل من أجل الإطاحة بالحكومة اليمنية في جميع أنحاء الجنوب. وحتى الآن، أسس المجلس الانتقالي وجودا عسكريا مهيمنا في عدن والضالع ولحج وأبين، ومؤخرا في سقطري.
ولا يمكن تبرئة التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات من الفوضى المستمرة في جنوب اليمن، بعد أن تحول التحالف بشكل صارخ عن هدفه الرئيسي المتمثل في استعادة الحكومة الشرعية في اليمن.
وبدلا من ذلك، تتركز مهمة التحالف الآن على ثلاثة أمور، قصف اليمن إلى أجل غير مسمى، وتقويض الحكومة الشرعية عمدا، ودعم الانفصاليين الجنوبيين علنا.
وفي الحقيقة، فقد وقع استيلاء المجلس الانتقالي على سقطرى أولا في أذهان قيادات التحالف قبل أن يتحقق على أرض الواقع.
وفي الوقت الراهن، يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي بجد للسيطرة على المحافظات الجنوبية الأخرى التي لا تزال خارج سيطرته.
ويوم الإثنين، حشد المجلس مسيرة في المكلا في حضرموت، داعيا إلى الحكم الذاتي. وعادة ما تسبق هذه التجمعات السياسية خيار التصعيد العسكري.
واعتاد الانفصاليون على الاحتجاج ضد الحكومة في عدن. وانتزعوا أخيرا السيطرة على المدينة في أغسطس/آب بعد معركة استمرت 3 أيام مع الحكومة المعترف بها دوليا والمدعومة ظاهريا من السعودية.
وسبق أن استولى الانفصاليون على أبين والضالع ولحج. لذلك، يمكن تكرار اللجوء إلى العنف في المحافظات الجنوبية التي لا تزال تعترف بالحكومة اليمنية.
دبلوماسية عرجاء
ومنذ 6 أشهر، توسطت السعودية في اتفاق لتقاسم السلطة بين الجانبين. وتم التوقيع على الاتفاقية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وكان من المفترض أن توقف هذه الاتفاقية الصراع والعنف. ولم يتم تنفيذ الاتفاق، ولم يتوقف التصعيد، بينما لا تزال المملكة واصل حث الجانبين على تنفيذ الاتفاقية.
وغرّد سفير المملكة لدى اليمن، “”محمد الجابر”، الإثنين 22 يونيو/حزيران، قائلا: “بذلت المملكة ودول التحالف جهودا متواصلة منذ توقيع اتفاقية الرياض من أجل ضمان تنفيذها، لكن الاتفاقية واجهت العديد من التحديات التي أعاقتها وعرقلتها”.
بعبارة أخرى، طرحت السعودية خطة سلام، لكنها لم تتمكن من إجبار الطرفين على تنفيذها، أو ربما لم تكن المملكة جادة حقا في إنهاء الصراع في الجنوب.
وقال المتحدث باسم التحالف، “تركي المالكي”، إن الحكومة والقوات الانفصالية اتفقا على وقف إطلاق النار، على أن يشرعا قريبا في محادثات بشأن تنفيذ اتفاق الرياض.
وأضاف “المالكي” في بيان: “يأسف التحالف للتطورات الأخيرة” في عدد من المحافظات الجنوبية، ويدعو الأطراف إلى إعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية اليمنية ووقف إراقة الدماء”.
لكن على جانب آخر، استبعد مستشار وزير الإعلام اليمني “مختار الرحبي”، إمكانية تنفيذ الاتفاقية.
وكتب “الرحبي”، في تغريدة: “عندما تقع مدينة في أيدي ميليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي، يتجدد الحديث حول اتفاقية الرياض، التي شرّعت بقاء الميليشيات وسيطرتها على عدن، وكذلك توسعها إلى محافظات أخرى”.
وأضاف أن السعودية لم تتحرك لدعم الحكومة رغم وجود 1000 جندي سعودي في جزيرة سقطرى.
وازداد الوجود العسكري للانفصاليين وسيطرتهم على مرافق الدولة أكثر من أي وقت مضى.
وفي منتصف يونيو/حزيران، اختطف مقاتلو المجلس الانتقالي 64 مليار ريال يمني، أي نحو 256 مليون دولار أمريكي، طُبعت في روسيا، وكان المبلغ مخصصا للبنك المركزي في عدن.
واعترف المجلس بأن مقاتليه صادروا الأموال، وذكر أن الإجراء تم اتخاذه لإنهاء الفساد و”منع استخدام الأموال العامة في دعم الإرهاب”.
ويبدو أن التطورات الأخيرة في الجنوب لم تتكشف عن طريق الصدفة، ولم يكن الانفصاليون سيحققون مثل هذه المكاسب بدون ضوء أخضر من التحالف.
تحت رحمة الرياض
وتجد الحكومة اليمنية، المحاصرة والهشة، نفسها تحت رحمة الرياض. ولا يمكنها حماية مصالحها في الجنوب وهي عاجزة أيضا عن اختراق الشمال الذي يهيمن عليه الحوثيون المتحالفون مع إيران.
وأبدت الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة مرارا وتكرارا معارضتها للأجندات الإماراتية، ودعت إلى طردها من اليمن.
ومع ذلك، تواصل الدولة الخليجية القيام بما تشاء مستفيدة من الصمت السعودي القاتل.
ولم يعد بإمكان التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، أو ما تبقى منه، إخفاء الأجندة المناهضة لوحدة اليمن؛ حيث قدَّم استيلاء الانفصاليين الأخير على سقطرى دليلا قويا على أن وحدة اليمن باتت على المحك.
ويعيش الانفصاليون حالة من النشوة منذ سيطرتهم على جزيرة سقطرى، بينما يعاني بقية اليمنيين لحظة من الإحباط المرير وخيبة الأمل من دور التحالف، الذي يسعى فقط لتأمين المواقع الاستراتيجية، بما في ذلك الموانئ والخطوط الساحلية في البلاد.