الأزمة الخليجية تعيد رسم خطوط الصراع في حرب اليمن
مجتهد نيوز//
تركز التحليلات التي تتناول التصدعات داخل مجلس التعاون الخليجي بشكل أساسي على تأثير الخلافات الخليجية على علاقات الدول الأعضاء مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودور إيران في المنطقة. ومع ذلك، لم يتم تكريس اهتمام كاف لآثار أزمة مجلس التعاون الخليجي على الحرب المتعددة الأوجه في اليمن، وكيف تسببت المنافسات بين الرياض والدوحة وأبوظبي في تعقيد المشهد اليمني.
وُلدت أزمة مجلس التعاون الخليجي في يونيو/حزيران 2017 عندما قطعت السعودية والإمارات ومصر والبحرين علاقاتها مع الدوحة وفرضت حصارًا متعدد الأوجه على الإمارة. وقد سلكت عدة دول أخرى مثل الأردن وجيبوتي وجزر المالديف النهج ذاته، بينما قاومت بعض الدول مثل الصومال الضغوط لدعم حصار قطر. أما اليمن، فقد قام قطع العلاقات مع قطر، وسحب بعثته الدبلوماسية من الدوحة ويبدو أن الحكومة اليمنية لم يكن لديها مجال كبير للمناورة والاختيار في هذه القرارات.
نقطة تحول
قبل تلك القطيعة، كانت قطر جزءًا من التحالف العربي الذي يقاتل ضد المتمردين الحوثيين في اليمن إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى -باستثناء عمان- والعديد من الدول الإسلامية السنية الأخرى، بما في ذلك مصر والأردن. لكن أزمة الخليج وضعت حداً لدور قطر في التحالف، ودفعت الدوحة بعيداً عن جيرانها العرب في الخليج وبدلاً من ذلك -بسبب البدائل المحدودة- اتجهت نحو إيران، وبالتالي، فإنها صارت أكثر قربا من الحوثيين.
شكلت أزمة الخليج نقطة تحول بالنسبة للتحالف العربي، سواء من حيث هوية الدول الأعضاء أو ديناميات العمل داخل التحالف. وأعقب تعليق عضوية قطر في التحالف انسحاب ماليزيا والمغرب منه في عامي 2018 و 2019 على التوالي. وأضعفت هذه التطورات صورة وشرعية التحالف الدولي، الذي تفككك بشكل كامل تقريبا في أعقاب إعلان الإمارات انسحابا تدريجيا من الصراع منتصف عام 2019، وما تلى ذلك من سحب كبير للمقاتلين السودانيين الذين تقلص عددهم من حوالي 30 ألف فرد في ذروة الصراع إلى 657 فردًا بحلول يناير/كانون الثاني 2020. وأدت هذه الأسباب مجتمعة إلى فرض المزيد من العزلة ووضع المزيد من الأعباء على كاهل الرياض.
أتاح تقليص حجم التحالف فرصة أكبر للإمارات لمتابعة مصالحها الاستراتيجية. وقبل الإعلان عن انسحابها التدريجي في عام 2019، والذي يمثل تحولًا من المشاركة المباشرة إلى المشاركة غير المباشرة، قامت الإمارات بتدريب وتمويل وتسليح وتنظيم جماعات مسلحة يمنية في المناطق الشرقية والجنوبية والغربية من البلاد. ولا تسيطر الحكومة اليمنية على هياكل القيادة في هذه الميلشيات الموالية لأبوظبي، بما يعني أنه، وعلى الرغم من انسحاب الإمارات من الصراع رسميا، فإنها تحتفظ بسيطرة ملموسة على الوكلاء المحليين والشركاء الذين يُعتقد أن أعدادهم تتجاوز 90 ألف فرد، وأن لديهم القوة اللازمة لتشكيل مسارات الصراع وفرص السلام.
ويعد المثال الأبرز على ذلك هو قوات الحزام الأمني التي أجبرت الحكومة على الخروج من عدن في أغسطس/آب 2019، بالإضافة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تم تشكيله في مايو/أيار 2017. وبسبب آليات التأثير الإماراتية، وصف فريق خبراء الأمم المتحدة الكيانات المدعومة من الإمارات بأ نها “قوى بالوكالة.. تقوض سلطة الحكومة الشرعية في اليمن”.
رداً على التخريب الإماراتي للسلطة اليمنية، أرسلت الحكومة اليمنية شكاوى متعددة إلى مجلس الأمن. كما طلبت من السعودية تعليق دور دولة الإمارات في التحالف العربي بنفس الطريقة التي أنهت بها عضوية قطر. ومع ذلك، حاولت الرياض إقناع اليمن بالصبر، على الأرجح في محاولة للحفاظ على الصورة المتبقية للتحالف والحفاظ على تعاونها الاستراتيجي مع الإمارات على المستوى الإقليمي.
إدارة الفوضى
في خضم الفوضى التي تسبب فيها حليفها الأقرب، واجهت المملكة عقبات جديدة، على رأسها التمرد المسلح للانفصاليين الجنوبيين الذي استولوا على عدن في أغسطس/آب 2019، وقبل ذلك، الانتشار العسكري غير المبرر في جزيرة سقطرى في عام 2018. وبالنظر إلى هذه السوابق، يمكن اعتبار محاولة المجلس الانتقالي الأخيرة للاستيلاء على سقطرى امتدادًا للمصالح الإماراتية، خاصة لأن المجلس الانتقالي شارك في معركة بالأسلحة النارية ضد القوات الحكومية في محافظة أبين.
من جانبها، وإدراكًا لمواردها الوفيرة وطموحاتها الجيوسياسية، حاولت قطر إبراز قوتها حتى لو كان ذلك يعني اتباع سياسات متناقضة. وعندما أوقف التحالف مشاركتها فيه، تبنت الدوحة أجندة مناهضة للتحالف في محاولة للبقاء في دائرة التأثير. ووفقاً لهذه الأجندة، صورت وكالة الأنباء القطرية التحالف على أنه “التحالف السعودي” أو “التحالف السعودي الإماراتي”، ما عكس تغيرا واضحا في لهجتها الإعلامية.
وصارت قناة الجزيرة وغيرها من القنوات القطرية البارزة تبرز بانتظام كبار قادة الحوثيين مثل الرئيس السابق للجنة الثورية العليا “محمد علي الحوثي”.
ولم تساعد هذه السياسة فقط في كسر عزلة الحوثيين إقليميا ودوليا، بل عملت أيضًا على تضخيم رواية الحوثي عن الحرب وإضعاف دعاية التحالف. علاوة على ذلك، أفادت الأنباء أن قطر، التي توسطت في اتفاقية الدوحة بين الحكومة اليمنية والحوثيين في فبراير/شباط 2008، حاولت الوساطة بين عدو الإمارات الأول، حزب الإصلاح، وبين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في 2018. وعلى هذا النحو، يبدو أن تعطيل التحالف السعودي، وإصلاح الشراكات بين خصوم المملكة في اليمن، كانا هدفين حاضرين على الأجندة السياسية للدوحة.
بالمثال، وبالرغم من كونها جزءًا من التحالف العربي، أظهرت الكويت نشاطًا إقليميًا مستقلا، وسعت لاستضافة جولة أخرى من محادثات السلام بين الأطراف المتحاربة في اليمن وشنت حملة دبلوماسية مكوكية بين واشنطن والعواصم العربية للتوسط في حل الأزمة الخليجية.
وفي المقابل، كان دور البحرين هامشيا إلى حد كبير. وإلى الشرق من اليمن، استضافت عمان بانتظام محادثات جانبية بين الحكومة اليمنية والحوثيين والسعوديين والمسؤولين الغربيين. ومثل المملكة العربية السعودية، لدى عُمان مخاوف أمنية فورية بالنظر إلى أنها تشترك في حدود بطول 294 كم مع اليمن.
وتشعر مسقط بالقلق على وجه الخصوص تجاه الوجود العسكري للمملكة في محافظة المهرة، حيث تخطط الرياض لبناء خط أنابيب في بحر العرب لتجنب الاعتماد على مضيق هرمز الواقع تحت رحمة إيران. وفي حين أن العلاقات التاريخية بين القبائل المتجاورة في المهرة وعُمان لعبت دورا رئيسيا في استقرار المنطقة، أدى الحصار المفروض على قطر إلى تعميق شكوك عُمان تجاه دول مجلس التعاون الخليجي وتسبب في زيادة شعورها بعدم الأمان. ونتيجة لذلك، فإنها كثفت سعيها للحفاظ على مجال نفوذها في المهرة، التي تعمل كمنطقة عازلة بين اليمن وسلطنة عمان.
وكما هو واضح، أعادت الأزمة الخليجية تشكيل ديناميات الحرب في اليمن بشكل كبير، وعمقت الاستقطاب بين مكونات الصراع. وأدى ابتعاد قطر عن التحالف العربي إلى تنويع خيارات الإمارات في اليمن على حساب السعودية وجعل الشقاق بين البلدين ممكنا. وتوضح التحولات الدرامية التي تلت ذلك في سياسة الدوحة الخاصة باليمن كيف أن التشققات داخل دول مجلس التعاون الخليجي لعبت لصالح الجماعات المتمردة اليمنية وإيران بدلاً من العمل لصالح الحكومة اليمنية وأمن الخليج بشكل عام.
ولن يؤدي استمرار المنافسة بين دول مجلس التعاون الخليجي في اليمن إلا إلى تفاقم الحرب في البلاد وتزايد التحديات التي تواجهها السعودية ومنطقة الخليج الأوسع. وبعد 3 سنوات من نشوب الصراع، يبدو التقارب الحقيقي بين دول مجلس التعاون الخليجي احتمالا بعيدا، ولكنه ضروري إلى أبعد مدى.