إيكونوميست: السيسي وأبي أحمد يواجهان خيارات صعبة بسبب سد النهضة
مجتهد نيوز//
بالنسبة لـ “بيروك نيجافا”، كما هو الحال بالنسبة لملايين الإثيوبيين، قد تكون فترة الأمطار الصيفية المقبلة هي اللحظة الأهم منذ أكثر من عقد من الزمان.
وكطالب في المدرسة الثانوية في عام 2011، اشترى “نيجافا” سندات بقيمة 100 بير (6 دولارات آنذاك)، للمساعدة في تمويل سد النهضة الإثيوبي الكبير، وهو صرح عملاق يمتد على النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل.
وفي الجامعة، تطوع لجمع التبرعات للمشروع. والآن، مثل جميع الإثيوبيين تقريبا، ينتظر بفارغ الصبر اليوم الذي تبدأ فيه إثيوبيا ملء الخزان. ويقول “نيجافا”: “إنه نصر وطني”.
وبعد نصف قرن من البناء، يعتبر السد الكهرومائي أكبر سد في أفريقيا، مع خزان قادر على استيعاب 74 مليار متر مكعب من الماء، أكثر من حجم النيل الأزرق بأكمله. وبمجرد ملئه، يمكن أن ينتج السد 6 آلاف ميجاوات من الكهرباء، أي ضعف إمدادات الطاقة الحالية في البلاد.
وبفضل السد، سوف يكون بالإمكان ربط ملايين الأشخاص بشبكة الكهرباء للمرة الأولى، لذا فإن سد النهضة يعد أكثر من مشروع هندسي، ويعتبره الكثير من الإثيوبيين مصدرا للفخر الوطني.
لكن بالنسبة إلى مصر، يمثل السد مصدر تهديد وطني. ويعيش أكثر من 90% من سكان البلاد، البالغ عددهم 100 مليون نسمة، على طول نهر النيل أو في الدلتا الشاسعة.
ويزود النهر مصر بمعظم مياهها، حيث يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه حق مصري أصيل. ويخشى المصريون أن السد سيخنق هذا الحق. وحث النقاد الموالون للنظام الجيش على استهداف السد عسكريا.
وحاول القاهرة وأديس أبابا التفاوض حول حل دبلوماسي، لكن أعواما من المحادثات فشلت في التوصل إلى اتفاق حول كيفية ملء السد وتشغيله.
أجواء سامة
وحاول الاتحاد الأفريقي التوسط، كما فعلت أمريكا في وقت سابق من هذا العام. ويقترب الموعد النهائي لملء السد الآن؛ حيث تريد إثيوبيا البدء في ملء الخزان خلال موسم الأمطار هذا الصيف.
وفي 26 يونيو/حزيران، بعد جولة أخرى من المحادثات، تعهدت مصر وإثيوبيا والسودان بالتوصل إلى اتفاق في غضون أسبوعين. ووافقت إثيوبيا على عدم البدء في ملء السد خلال تلك الفترة.
ويقول دبلوماسيون إن معظم القضايا تم حلها. لكن يظل التساؤل حول كيفية التعامل مع مواسم الجفاف.
وتريد مصر أن تعد أديس أبابا بإطلاق كميات معينة من المياه تعويضا عن فترات الجفاف. لكن إثيوبيا لا ترغب في “منح” المياه إلى دول المصب، أو تصريف الماء من الخزانات بدرجة يمكن أن تؤثر على إنتاج الكهرباء.
وتريد إثيوبيا اتفاقا أوسع نطاقا بين جميع دول الحوض، بما في ذلك تلك الواقعة على النيل الأبيض، الذي يتدفق من بحيرة فيكتوريا عبر أوغندا والسودان.
وحتى لو فشلت المحادثات، وبدأت أديس أبابا في ملء الخزان دون اتفاق، فلن تجف صنابير المصريين فجأة. فهناك ما يكفي من المياه في الخزان الواقع خلف السد العالي في مصر لتعويض أي نقص هذا العام.
لكن المزاج السائد في البلدين سام. ويرى المصريين إثيوبيا بوصفها لص عازم على تجفيف بلادهم. وعلى النقيض، يتم تصوير مصر في أديس أبابا على أنها قوة استعمارية جديدة ترغب في انتهاك سيادة البلاد الوطنية.
وستكون لنتائج المحادثات عواقب سياسية في كلا البلدين، وربما تدفعهما إلى حافة النزاع، في وقت تفكر فيه مصر بالفعل في المشاركة في الحرب الليبية.
مشروع وطني
وتم حشد الإثيوبيين لتمويل السد من خلال التبرعات وشراء السندات. ولم يكن البنك الدولي ومستثمرو القطاع الخاص مستعدين لتحمل عبء التمويل.
وأصبح كل إثيوبي تقريبا صاحب أسهم في السد. وساهم معظمهم طوعا، ولكن كان هناك دائما بعض أشكال الإكراه.
وكان على موظفي الخدمة المدنية التبرع براتب شهر في البداية. وكان من المتوقع أن تشتري البنوك المحلية والشركات الأخرى سندات بالعملة المحلية.
وعندما تولى منصبه في عام 2018، انتقد “أبي أحمد”، رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي، السد كمشروع “يتم استخدامه للنفعية السياسية”، وحذر من أن الأمر قد يستغرق عقدا آخر لإنهائه، وهي تصريحات يُنظر إليها على أنها هجوم على أسلافه.
ونتيجة لذلك، شكك البعض في التزامه تجاه السد. وازدادت السحابة ثقلا بعد وفاة كبير مهندسي المشروع في عام 2018 عن طريق الانتحار.
وفي اجتماع مع “عبد الفتاح السيسي” في القاهرة، ورد أن “أبي” صدم المستشارين بتجاهله خطابا مخططا له، وأقسم أمام الرئيس المصري على عدم الإضرار بمصالح مصر.
وبعد عامين، يشكو المصريون من أن “أبي” لم ينفذ وعده. ويقول دبلوماسي مصري إنه “غير مرن”. ويبدو أن “أبي أحمد” أدرك أن السد هو القضية الوحيدة التي يمكن أن توحد المواطنين من جميع الأعراق.
وقارن مذيعو التلفزيون الرسمي معركة السد بمعركة “العدوة” عام 1896، عندما اجتمع الإثيوبيون معا لهزيمة الإيطاليين.
مأزق السيسي
في المقابل، لا يبدو أن لدى “السيسي” مساحة كبيرة للتنازلات. وتعاني مصر بالفعل من نقص في المياه. وتحدد الأمم المتحدة عتبة ندرة المياه بمعدل 1000 متر مكعب للفرد في العام.
وفي عام 2018، كان نصيب الفرد في مصر من المياه 570 مترا مكعبا فقط. وحتى بدون السد، يمكن أن ينخفض هذا المعدل إلى 500 متر مكعب في غضون 5 أعوام.
لكن النقص الحالي يعدّ خطأ القاهرة في المقام الأول، حيث تستخدم مصر ما يقرب من 80% من مياهها في الزراعة. وللمقارنة فإن الأردن و(إسرائيل)، وهما دولتان مجاورتان لديهما موارد مياه عذبة محدودة، يستخدمان 50% فقط من موارد المياه في الزراعة.
وتعاني قنوات الري في مصر، ومعظمها تم بنائها منذ عقود، من تردٍ في حالتها الفنية، مع غياب الصيانة. ويزرع المزارعون المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه، مثل الموز والأرز وقصب السكر، بالرغم من الخطط الحكومية التي تهدف إلى الحد من زراعة هذه المحاصيل.
وكل هذا مقابل عائد محدود؛ فلا تزال مصر تستورد نصف غذائها. وتحاول الاعتماد بشكل أكبر على المشاريع الزراعية في السودان، حيث اشترت دول الخليج مساحات كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة للمساعدة في إطعام شعوبها.
ولأعوام، فشل المسؤولون المصريون في أخذ السد على محمل الجد. والآن، يواجهون موعدا نهائيا قريبا جدا لملء الخزان، ومجموعة من المشاكل الأخرى.
وبدأ تفشي مرض “كوفيد-19” في مصر ببطء، لكن عدد الوفيات اليومية بلغ ذروته في 15 يونيو/حزيران، ولا يزال في مستوى عالٍ.
ويتصاعد الضرر الاقتصادي أيضا. ففي 26 يونيو/حزيران، وافق صندوق النقد الدولي على قرض لمصر بقيمة 5.2 مليار دولار.
ويشعر “السيسي” بالقلق كذلك من التطورات على حدوده الغربية. وقد تلقى “خليفة حفتر”، أمير الحرب الليبي المدعوم من مصر، الذي تعهد العام الماضي بالاستيلاء على طرابلس، هزيمة مخزية هذا الربيع.
ولقي “حفتر” هذه الهزائم بعد أن أرسلت تركيا طائرات مسلحة بدون طيار وميليشيات سورية لدعم الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في طرابلس.
وترى مصر الوجود التركي في الجوار تهديدا لها. وتشهد العلاقات بين البلدين توترا متزايدا منذ عام 2013، عندما أطاح “السيسي” بـ “محمد مرسي”، الرئيس الإسلامي المنتخب للبلاد في انقلاب عسكري.
وقال “السيسي”، الشهر الماضي، إن بلاده لها الحق في التدخل في ليبيا. وحذر القوات المدعومة من تركيا من تجاوز مدينة سرت الساحلية الاستراتيجية التي تقع بالقرب من محطات تصدير النفط الرئيسية في ليبيا.
ويخشى الجيش المصري من الحروب الخارجية، وهو حذر يعود إلى تدخله المشؤوم في اليمن في الستينيات، الذي أودى بحياة عشرات الآلاف وتركه غير مستعد لمواجهة (إسرائيل) عام 1967.
ومنذ ذلك الحين، تجنبت مصر إلى حد كبير المغامرات الخارجية، باستثناء مساهمة محدودة في حرب الخليج عام 1991.
وبدلا من ذلك، يحارب الجيش الجهاديين في شبه جزيرة سيناء، ويعوق فرص الانتقال إلى الحكم المدني، كما يرعى إمبراطورية اقتصادية تمتد من الفنادق الفاخرة إلى صناعة الأسمنت.
والآن، يجد “السيسي” نفسه يواجه أزمات غير مريحة على جبهتين.
ولا يكاد يكون موقف “أبي” في إثيوبيا أكثر راحة. فقد استغل المنافسون في الداخل ضعفه الملحوظ. ويتهمه أحد زعماء المعارضة بتقديم السد “قربانا” للقوى الأجنبية.
ويقول “جوار محمد”، وهو ناشط مؤثر، تم اعتقاله الشهر الماضي: “إذا فشل في البدء في ملء الخزان في يوليو/تموز، فسيكون في مشكلة”.
وفي 30 يونيو/حزيران، اندلعت احتجاجات بعد مقتل موسيقي شهير من مجموعة “أورومو” العرقية، وهو تذكير بمدى ضعف الوحدة الوطنية الهشة في البلاد.
وقد يكون بالإمكان التوصل إلى اتفاق حول التفاصيل الفنية، لكن كلا الزعيمين لا يمتلكان ما يكفي من الرصيد السياسي لتمرير الاتفاق على أرض الواقع.