الحرب في اليمن .. لماذا عاد التصعيد مُجددًا بين الحوثيين والسعودية؟ 4 أسباب تشرح لك
مجتهد نيوز//
عقب انتهاء هدنةٍ إنسانية استمرت ستة أسابيع بين التحالف العربي والحوثيين بسبب تفشي فيروس كورونا في اليمن؛ بدأت السعودية والإمارات قبل نحو أسبوع تصعيدًا عسكريًّا ضدهم في العاصمة صنعاء؛ ردًّا على استهداف مرابض الطائرات، ومخازن التسليح، وأهداف عسكرية جنوب المملكة.
ليأتي الرد الحوثي سريعًا ضمن ما وصفوه بالعملية الواسعة في العمق السعودي، والتي استهدفت وزارة الدفاع السعودية، ومقر الاستخبارات العسكرية وقاعدة الملك سلمان الجوية في الرياض، ومواقع عسكرية في جازان ونجران جنوبي المملكة. التصعيد الذي بدأته جماعة الحوثي، يتزامن مع التحركات الأخيرة التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًّا – هيئة سياسية غير رسمية – بإعلان سيطرته على محافظة سقطرى الاستراتيجية ضمن خُطة تستهدف الاستحواذ الكلي على محافظات الجنوب ووضعها تحت الإدارة الذاتية تمهيدًا لإعلان الانفصال.
التقرير التالي يشرح لك أسباب التصعيد الأخيرة، وما هي الاعتبارات الجديدة التي دفعت الحوثيين للتمسك بالخيار المسلح بديلًا عن مسار التفاوض.
1- موازين القوى في الحرب تغيَّرت بسؤاله عن لماذا عاد التصعيد مُجددًا بين الحوثيين والسعودية بعد حالةٍ من الهدوء على وقع الهدنة؟ أجاب عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي، محمد البخيتي، خلال مداخلة عبر قناة «الجزيرة»، بأنَّ موازين القوى قد تغيرت بما يفرض شروطًا جديدة للتفاوض، بعدما لم يعد في إمكان السعودية استهدافهم في عمق اليمن دون أن يكون هناك رد سريع من الجانب الآخر.
التصريحات السياسية التي روَّجت لتفوق قدرات الحوثيين العسكرية، سبقتها تأكيدات على الأرض بإسقاط طائرة مقاتلة من طراز «تورنيدو» – تحلق على ارتفاع 15 كم – تابعة لسلاح الجو الملكي السعودي في فبراير (شباط) الماضي، وهي التطورات التي عسكت بوضوح تطور القدرات العسكرية للجماعة التي تحكم سيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء، منذ ديسمبر (كانون الأول) 2014.
ومنذ أعلنت السعودية تدخلها في اليمن تحت شعار «إعادة الشرعية اليمنية»، ساهمت الحرب في نمو قدرات الحوثي ، إضافة إلى ما يمتلكه الحوثي من صواريخ بعيدة المدى، حصل عليها من مخازن الأسلحة الخاصة بالجيش اليمني عام 2015، بمساعدة الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح.
وخلال ست سنواتٍ من المعارك الدائرة، امتلك الحوثيون القدرة العسكرية على تطوير الصواريخ الباليستية وإنتاجها، وصولًا إلى إنتاج الطائرات بدون طيار بأنواعها المختلفة، ثم التحول لامتلاك قدرات بحرية هددت طرق الملاحة البحرية من جهة، وحافظت على الموانئ التي تقع تحت سيطرتهم من جهةٍ أخرى، وهو الذي فرض بظلاله واقعًا تفاوضيًّا جديدًا لم تقبل به السعودية التي واصلت الاشتباك بغرض الإنهاك.
والهجوم الأخير الذي أشعل النيران في سماء العاصمة السعودية، استخدم فيه الحوثيون ثماني طائرات مسيَّرة مفخخة من طراز «صماد 3» المتطورة التي سبق وأن استهدفت مطار أبو ظبي، بالإضافة إلى ثلاثة صواريخ باليستية بعيدة المدى، ومجنحة كروز من نوع «القدس»، و«ذو الفقار» .
التفوق النوعي الذي أحرزه الحوثيون عسكريًّا على مدار ست سنواتٍ فيما يتعلق بالقدرة على ضرب أهداف مدنية وعسكرية في العمق السعودي دون رصدها، لم يخل من عاملٍ سياسيٍّ أفرزته الأخطاء التي وقع فيها التحالف العربي في اليمن؛ فخلال المعارك التي أطلقتها السعودية للسيطرة على ميناء «الحديدة» الاستراتيجي، تدخلت الأمم المتحدة بعدما طالت الحرب دون جدوى لتوقيع «اتفاق ستوكهولم» عام 2018، والذي أصبح الحوثيون بموجبه طرفًا أساسيًّا في المفاوضات.
ضمنت اتفاقية ستوكهولم وقف إطلاق النار في الحديدة، واستغل الحوثيون الفرصة لإعادة نشر قواتهم في المدن الاستراتيجية، والهجوم على مناطق أخرى تزامنًا مع تطوير ترسانتهم العسكرية، بينما مدنهم محمية بموجب اتفاقية معترف بها دوليًّا.
التصعيد الأخير تزامن مع سلسلة أحداثٍ سياسية بدأت بإعلان السعودية في الثامن من أبريل (نيسان) الماضي هدنة لمدة أسبوعين، ومَدَّتها في الرابع والعشرين منه لمدَّة شهر، وهي الدعوة التي تلقفتها الأمم المتحدة في محاولة لتحويل الهدنة إلى صفقة طويلة الأمد.
وفي ظل استمرار الجمود في الاتصالات السياسية، والتي وصفها الحوثيون رسميًّا بأنها «لا ترتقي إلى مستوى التفاوض»، عاد التصعيد الميداني مرة أخرى في ظل رفض جماعة الحوثي أي مبادرات سياسية لا تشمل حلًّا نهائيًّا للحرب اليمنية، وهي السياسة التي تدعمها رواية الحوثيين بتغيير موازين القوى لصالحهم.
2- مسار المعارك أصبح لصالح الحوثيين لعبة موازين القوى التي يستند الحوثيون إليها في فرض شروطهم في التفاوض، تنبع في الأساس من مسار المعارك المحتدمة على الأرض مع قوات الجيش اليمني التي تواجه مأزقًا عسكريًّا في شمال اليمن نتيجة تفوق نوعي لجماعة الحوثي من ناحية، وخذلان سعودي من جهةٍ أخرى، بحسب اتهامات قادة في الجيش.
واللافت أنَّ الخريطة العسكرية للحرب في اليمن تغيرت على نحوٍ مُفاجئ منذ بداية العام؛ فالحوثيون شنُّوا هجومًا على مدينة نهم – شرق العاصمة صنعاء – التي توصف بأهم جبهة في الحرب، ثم بدأوا بالتقدم عسكريًّا نحو مأرب والجوف، في غيابٍ واضحٍ للدعم الجوي، ليُجبر الجيش بعدها على الانسحاب تاركًا آلياته العسكرية غنيمة سهلة للحوثيين.
وتسيطر جماعة الحوثي على المناطق الأهم والأكثر كثافة سكانية داخل اليمن، وأبرزها العاصمة صنعاء ومدينة الحديدة الساحلية غربًا، والتي تضم ميناءين دوليين، بالإضافة لسيطرة حوثية مطلقة لمحافظات عمران، وذمار، وإب، والمحويت، وريمة، ومركز محافظة الحديدة وغالبية مديرياتها، وحجة، باستثناء مديريتين، وعدد من المديريات التابعة لمحافظة تعز والبيضاء والجوف.
وفي العام الأول من الحرب، استعاد الجيش اليمني مدعومًا بالتحالف العربي محافظات عدن، وأبين، ولحج، والضالع، وشبوة، وأجزاء من مأرب، والجوف، وتعز، وباب المندب، ثم شهد الوضع الميداني جمودًا بامتياز خلال السنوات التالية، حافظ عليه أنَّ الحوثيين أنفسهم تبنوا سياسة الدفاع عن محافظات الشمال، لكن هجومهم اقتصر فقط على قصف الأهداف داخل العمق السعودي والإماراتي، دون محاولة استعادة ما فقدوه في السابق.
وبحسب آخر التطورات العسكرية على الأرض، فقد أطلق الحوثيون قبل عدة أيامٍ معركة إسقاط محافظة «البيضاء» – جنوب شرق العاصمة – والتي توِّجت بالسيطرة على مدينة ردمان، مركز المديرية، بعد معارك عنيفة مع مسلحي القبائل، وهو الذي استدعى السعودية للتدخل لمنع سقوط المحافظة التي تتشارك حدودها مع ثماني محافظات يمنية.
مسار المعارك تحول فجأة لصالح الحوثيين قبل شهرين؛ وذلك بعد سيطرتهم على محافظة الجوف، وهي المعركة التي وصفها مستشار الرئيس اليمني، ورئيس الوزراء السابق أحمد بن دغر – في سلسلة تغريدات على «تويتر» – بأنَّ سقوطها قد يُغيِّر موازين القوى العسكرية بصورة نهائية في المعركة لصالح الحوثيين محليًّا، وإيران إقليميًّا؛ لأنها بحسب وصفه، معركة قد تُنهي دور التحالف كُليًّا في اليمن.
بعد سيطرة الحوثيين على المحافظة التي تشترك في حدود واسعة مع السعودية – أكثر من 266 كليومترًا – باتت معاقل الحوثي القديمة أكثر تأمينًا، على عكس الحدود السعودية التي باتت عُرضة للقصف والاستهداف. اتجه الحوثيون بعد الجوف لإسقاط محافظة مأرب النفطية، والتي تعد المقر الرئيس للحكومة، حيث تحتضن مقر وزارة الدفاع والكليات الحربية، وتتمركز فيها أكبر الألوية العسكرية منذ اندلاع الحرب، بالإضافة لكونها معقل «حزب الإصلاح» اليمني المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، ما يعني أنَّ سقوطها يكتب بامتياز الفصل الأخير في القصة، ومنذ مطلع الشهر الجاري، يفرض الحوثيون حصارًا على أهلها بعدما تمكنوا أخيرًا من الوصول إلى ضواحيها.
تغيُّر موازين القوى نتيجة القوة العسكرية، إلى جانب التقدم الميداني البطيء الذي يُحرزه الحوثيون، ليس فقط الدوافع التي تقود للتصعيد، ففي الوقت الذي يؤكد فيه الحوثيون تواصلهم مع السعودية لإنهاء الحرب، تبدو نتائج المفاوضات نفسها هي السبب المباشر للتصعيد.
3- كل طرق المفاوضات تقود إلى الحرب قبل شهرين، كشف مسئول سعودي لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية عن إجراء المملكة محادثات يومية مع الحوثيين في اليمن، وأنها دعت ممثلين عن هذه الجماعة والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا لإجراء محادثات سلام في الرياض، وأن هذه الرغبة جاءت بعدما تشكلت قناعة سعودية بأنَّ استمرار الحرب ليس في صالحهم.
التفاوضات السرية في فترة عدم التصعيد، إلى جانب الهدنة وما تبعها من أسباب سياسية متعلقة بأوضاع الجنوب، وإنسانية مرتبطة بتفشي فيروس كورونا في اليمن، لم تفض إلى أية حلول؛ لأنَّ الرؤى بين الطرفين ما زالت متباعدة، فبينما يُصرُّ الحوثيون على إبقاء سيطرتهم على شمال اليمن؛ ترفض السعودية الفكرة وتتجدد دوافعها باستمرار الحرب، فيما يدفع التحالف وحده فاتورة الوضع الإنساني المتفاقم في شمال اليمن وجنوبه. يبحث الحوثيون عن حلٍّ نهائي لوجودهم وتمثيلهم السياسي في زمن ما بعد الحرب، بينما ترفض السعودية الاعتراف النهائي بهم، وتصر على الحسم العسكري في وقتٍ تنامت فيه القدرات العسكرية للحوثيين بما يشكلُ نوعًا من الصعوبة في المفاوضات.
لذا فبينما يرفض الحوثيون الهدنة لأنها لا تدفع لمسار سياسي، تجد فيها السعودية استراحة محارب لترتيب قواتها، أو لمنع استنزافها في الجنوب عقب تحركات المجلس الانتقالي. وقد دفع عدم تخلي السعودية عن الحل العسكري، الأمم المتحدة للترحيب بوثيقة «الحل الشامل» التي أطلقها الحوثيون في أبريل (نيسان) الماضي، والتي شملت وقفًا شاملًا لإطلاق النار، واستئناف العملية السياسية بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي شامل في البلاد، وهي الوثيقة التي رحبت بها الأمم المتحدة، بينما لم تجد فيها السعودية مكسبًا استراتيجيًّا لها بين بنودها.
وفي الوقت الذي تضطر فيه السعودية لاستئناف الحرب لمنع التفاوض مع الحوثيين، تجد الجماعة نفسها مضطرة لخوض التصعيد وإحراز انتصارات ميدانية، تجبر أطراف الصراع في النهاية على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وفق مسار داخلي وخارجي، ما يعني أن كل طرق المفاوضات تقود إلى الحرب أولًا، وهي الرؤية العلنية التي أعلنها عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي، محمد البخيتي، خلال مداخلة عبر قناة «الجزيرة» القطرية.
وإسقاطًا على الأرض، ففي حال سقطت مأرب المحاصرة حاليًا، تكون الحكومة اليمنية قد فقدت شرعيتها الفعلية، كون المحافظات الشمالية في قبضة الحوثيين، بينما يسعى المجلس الانتقالي إلى انتزاع المحافظات الجنوبية وفق خطة معلنة تستهدف في الأيام القادمة محافظة حضرموت بعد السيطرة على سقطرى وعدن.
4- معارك الجنوب فتحت شهية الشمال للقتال ارتبطت الهدنة التي أعلنتها السعودية من طرف واحدٍ في أبريل الماضي، مع التحركات الانفصالية للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أعلن بالقوة فرض الإدارة الذاتية للجنوب في المناطق الواقعة تحت سيطرته بعد إحكام قبضته على العاصمة المؤقتة عدن، والمنشآت السيادية بداخلها، والتي شملت الميناء، والمطار الجوي، والبنك المركزي، ومناطق حكومية أخرى.
انقلاب الجنوب دعمته أهداف وتصورات داخلية وخارجية، تمثلت في معارضة المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًّا لأي دور لحزب الإصلاح بسبب ارتباطه بجماعة الإخوان المسلمين، وهو التطور السياسي الذي دفع التحالف لإعلان هدنة في الشمال، بينما كانت طائرات تقصف حلفاءه في الجنوب دعمًا للقوات الحكومية اليمنية.
ويبدو التناغم الحوثي مع المجلس الانتقالي في الهجوم على الحكومة اليمنية الشرعية، إضافة إلى العداء المُطلق مع حزب الإصلاح اليمني أكبر الداعمين لهادي في الداخل؛ فبينما استولى الحوثيون على مُقدرات الحزب في صنعاء، وزجُّوا بأعضائه في السجون وقتلوا المئات خلال المواجهات المُسلحة، خاضت الإمارات والمجلس الانتقالي – بحسب اتهامات حزب الإصلاح – عمليات التصفيات ذاتها لقادة الحزب، ومحاولة استئصاله من المشهد السياسي، وكسر شوكته العسكرية.
وسبق أن توصلت السعودية في نوفمبر (تشرين الأول) العام الماضي إلى الاتفاق المعروف باسم «اتفاق الرياض» الذي قضى بتقاسم السلطة بين الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي، وإعادة الحكومة لعدن، هذا الاتفاق الذي جاء بعد أشهرٍ من انقلاب آخر نفذه المجلس الانتقالي في عدن وإسقاط الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًّا.
لكنَّ انقلاب الجنوب فتح شهية الشمال على القتال، خاصة أنَّ قوات المجلس الانتقالي منحت جماعة الحوثي فرصة لالتقاط أنفاسها على جبهات القتال مع الجيش اليمني في عدد من محاور حدود القتال الجنوبية، كما مكنتها من إعادة ترتيب صفوفها من جديد، في محاولةٍ لتشتيت قوات الحكومة اليمنية، ومنعها من محاولة إعادة السيطرة على العاصمة المؤقتة.
اتفاق الأهداف غير المعلن بين الشمال والجنوب قاد لتصعيداتٍ متزامنة في التوقيت نفسه، فبينما بدأ الحوثيون تصعيدًا باستهداف مواقع داخل المملكة، كانت قوات المجلس الانتقالي في الوقت نفسه تستعد لانتزاع محافظة سقطرى، بعد عزل محافظها، وطرد قوات الحكومة المدعومة من السعودية.
وتتجه أنظار السعودية حاليًا إلى الجنوب اليمني بعد نقاشاتٍ أفرزتها شخصيات يمنية محسوبة على حزب الإصلاح، حول إمكانية حدوث تدخل عسكري تركي لإعادة الشرعية اليمنية، بعدما فشلت السعودية والإمارات على مدار ست سنوات في إنهاء الحرب، وهي الجبهة السياسية الجديدة التي استغلها الحوثيون للتصعيد في الشمال في عملياتٍ واسعة؛ أملًا في الوصول إلى حسمٍ عسكري يدفع لمسار سياسي، أو الاعتراف النهائي بهم في المفاوضات.