صفقة نيوكاسل.. مغامرة اقتصادية غير محسوبة لولي العهد السعودي
مجتهد نيوز//
إلى أي مدى تسهم صفقة شراء صندوق الاستثمارات العامة السعودي للنسبة الأكبر من نادي “نيوكاسل يونايتد” الإنجليزي في تعزيز رؤية ولي عهد المملكة “محمد بن سلمان” الاقتصادية؟
يتداول مراقبو الشأن السعودي هذا السؤال هذه الأيام على خلفية الكشف عن الوثائق القانونية للصفقة التي تشكل إطارا للمفاوضات بين الصندوق و”مايك أشلي” مالك النادي الإنجليزي.
ويكتسب السؤال أهمية خاصة في ظل ظروف غير مسبوقة تتعرض لها المملكة جراء انهيار أسعار النفط من جانب وتأثير جائحة تفشي فيروس “كورونا” المستجد على الاقتصاد من جانب آخر، لاسيما وأن رؤية “السعودية 2030” تستهدف بالأساس تحرير المملكة من الاعتماد الأحادي على النفط كمورد رئيسي للبلاد.
وتقوم الصفقة على شراكة بين سيدة الأعمال الأمريكية “أماندا ستافيلي” وصندوق الاستثمار السيادي السعودي إثر مفاوضات مع مالك نيوكاسل على مدى الأشهر الأربعة الماضية، انتهت إلى اتفاق يقضي بشراء النادي الإنجليزي بمبلغ يقترب من نصف مليار دولار، وفقا لما أوردته صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وبحسب شبكة “سكاي سبورتس” العالمية فإن الاستحواذ السعودي على نيوكاسل بات شبه رسمي بعدما تم دفع المقابل المادي المطلوب وتوقيع العقود، ولم يعد متبقيا سوى اختبار الملاك السعوديين من طرف رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز، وبمجرد الانتهاء من ذلك سيتم دفع ما تبقى من قيمة الصفقة المقدرة بـ”300 مليون جنيه إسترليني” إلى مالك نيوكاسل الحالي.
وعليه ستكون ملكية أسهم نيوكاسل بنسبة 80% للصندوق السعودي و10% لـ”أماندا ستافيلي” و10% لشركة الإخوة “روبنز”، المملوكة لعائلة إنجليزية ثرية، على أن يكون “ياسر الرميان”، محافظ الصندوق، هو الرئيس الجديد للنادي.
استثمارات متعثرة
تبدو فكرة تنويع محفظة الاستثمارات وكسر الاعتماد على مصدر أحادي للدخل إيجابية – بل وحتمية – من الناحية النظرية، لكن واقع استثمارات صندوق الثرورة السيادي السعودي وحاجة المملكة الشديدة إلى السيولة في ظل عجز موازنة غير مسبوق، هي عوامل قد تجعل دفع مبلغ مالي جديد لامتلاك ناد رياضي متعثر خطوة غير جيدة في الوقت الراهن.
وحسب محللي شبكة “بلومبرج” الأمريكية فإن السعودية التي تواجه تذبذبا كبيرا في أسعار النفط، لا ينبغي عليها إنفاق الكثير من الأموال في صفقات استحواذ متناثرة في الخارج، في الوقت الذي تحتاج فيه إلى أكبر قدر ممكن من السيولة في الوقت الراهن.
وبإضافة حقيقة إخفاق العديد من استثمارات الصندوق السيادي السعودي خلال الفترة الأخيرة، والتحديات التي تواجه فرص نجاح نادي “نيوكاسل”، تبدو الصفقة مغامرة محفوفة بالمخاطر في أفضل الأحوال.
على سبيل المثال، قامت السعودية، الشهر الماضي، بشراء أو ترتيب خطط لشراء حصة 8.2% في شركة الرحلات البحرية (كرنفال)، لتنخفض بعدها أسهم الشركة إلى حدود الثلث، فيما تقلصت قيمة الأسهم التي اشترتها المملكة في شركة أوبر للتكنولوجيا بمبلغ 3.5 مليار دولار إلى 2 مليار دولار فقط.
كما خسرت المملكة أكثر من ثلثي قيمة حصتها البالغة 38% في بوسكو للهندسة والإنشاءات بكوريا الجنوبية منذ أن حصلت عملية الشراء في عام 2015، بينما باع الصندوق السيادي السعودي جميع أسهمه في مؤسسة “تيسلا” قبل أن ترتفع قيمة الشركة بشكل غير مسبوق مع مطلع هذا العام.
أما عن فريق “نيوكاسل” فهو يحتل المركز الـ13 في الدوري الإنجليزي الممتاز، وتراجعت حظوظه التنافسية كثيرا خلال السنوات الماضية، ويواجه مالكه الحالي منذ عام 2007 غضبا من مشجعي النادي، الذين يتهمونه بأنه “لا يستثمر بما يكفي في شراء اللاعبين” لإعادة الفريق إلى منصات التتويج، بما يعني أن ملاك الفريق الجدد سيكون عليهم استثمار مئات الملايين من الدولارات في شراء اللاعبين الجيدين لتلبية طموحات الجماهير، وهو ما قد يرفع الصفقة الإجمالية إلى حدود المليار دولار.
وليس ثمة ضمانات أو حتى ترجيحات لإمكانية تحقيق النادي الإنجليزي لعوائد تغطي هذه الكلفة، ولذا وصفت “بلومبرج” محاولات صندوق الاستثمار السعودي الاستثمار في مشروعات غير نفطية بأنها “لم تكن موفقة”.
وحتى استثمارات السعودية في شراء حصص من الشركات النفطية حول العالم أثبتت أنها قصيرة النظر بشكل كبير في ظل تراجع أسعار الخام، بخلاف كونها لا تنسجم أصلا مع رؤية “بن سلمان” الاستراتيجية والتي تقوم على أساس تحرير الاقتصاد من أحادية الاعتماد على النفط.
وبينما تتجه العديد من الصناديق الاستثمارية حول العالم لبيع أسهمها في شركات النفط لتجنب التعرض لخسائر كبيرة، فعلت السعودية العكس تماماً، ما جعلها أكثر بلدان العالم ارتهانا لسعر سلعة واحدة، وما لم يحصل تقليص غير عادي في ميزانيتها أو ارتفاع كبير (غير متوقع) في أسعار النفط كالذي حدث في عام 2008، فالأغلب أن المملكة سوف تتحول إلى دول مدينة خلال فترة قصيرة.
ديون وانكماش
ووفقا لـ”بلومبرج”، فإن ديون السعودية هذا العام من المرجح أن تصل إلى 19% من إجمالي الإنتاج المحلي السعودي، الذي يتجه للانكماش بنسبة 1.7%، مع تراجع القطاع الخاص غير النفطي بنسبة 3.9%، حسب بيانات شركة جدوى للاستثمار.
كما تتوقع “جدوى” أن تتراجع إجمالي الإيرادات السعودية غير النفطية بنسبة 16% عن مستويات الإيرادات المقدرة في الميزانية، وفقا لما أوردته صحيفة “مال” الاقتصادية.
وتفسر تلك البيانات طرح الحكومة السعودية، في 15 أبريل/نيسان، لسندات بقيمة 7 مليارات دولار، بعضها بأجل يصل إلى 40 عاما، بعدما كانت مصر، حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2019، الدولة الوحيدة في المنطقة التي طرحت سندات لهذا الأجل.
ووفق بيانات صادرة عن وزارة المالية السعودية، في 16 أبريل/نيسان، فقد بلغت قيمة السندات المطروحة والمستحقة السداد بعد 40 عاماً 3 مليارات دولار من إجمالي الاقتراض، بينما توزعت الأربعة مليارات دولار المتبقية على شريحتين أخريين بقيمة 2.5 مليار دولار لأجل 5 سنوات، و1.5 مليار دولار تستحق بعد 10 سنوات.
وتشير الخطط السابقة إلى نية المملكة اقتراض 32 مليار دولار من الأسواق الدولية هذا العام، في حين تؤشر الضربة المزدوجة التي تلقتها المملكة، جراء انهيار أسعار النفط وتداعيات فيروس “كورونا” المستجد، إلى أن هذا الرقم سوف يكون مرشحا للزيادة، ناهيك أن تكلفة الاقتراض سوف تكون مرتفعة بشكل ملحوظ.
بخلاف ذلك، تقوم المملكة بتبديد احتياطاتها المالية بوتيرة سريعة، ووفق بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، الصادرة نهاية مارس/آذار الماضي، فقد تراجع حجم الأصول الاحتياطية في البلاد إلى 1.86 تريليون ريال (497 مليار دولار) بنهاية فبراير/شباط، مقابل 2.31 تريليون ريال (616 مليار دولار) بنهاية عام 2015، لذا فإن السعي إلى استثمار على غرار صفقة نيوكاسل يبدو أشبه بـ”إنفاق رجل مستهتر يرغب في عيش حياة أعلى من مستوى إمكانياته”، حسب توصيف “بلومبرج”.
ولا تقتصر مشكلة هذه الصفقات على تكلفتها المالية المباشرة فحسب، بل في إمكانية تأثير إخفاقاتها المتوالية سلبا على قدرة المملكة على إقناع الدائنين في الاستمرار بمدها بالمال على المديين المتوسط والبعيد.
تبييض الصورة
ويعزز من هذا التقييم توالي رسائل التحذير من قبل المنظمات الحقوقية التي اعتبرت صفقة “نيوكاسل” محاولة سعودية لـ”تبييض سمعتها” عبر الرياضة، حسب تعبير مسؤول حملات منظمة العفو الدولية في بريطانيا “فيليكس جاكنز” في تصريحاته لوكالة “أسوشيتد برس”.
يشير “جاكنز”، في هذا الصدد، إلى ما يسببه سجل السعودية الحقوقي من ملاحقة مزمنة لاستثماراتها حول العالم، خاصة بعد جريمة الاغتيال الوحشية للكاتب الصحفي “جمال خاشقجي” داخل قنصلية المملكة بمدينة إسطنبول التركية، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وفي السياق، خاطبت منظمة “فيفا ووتش” لمراقبة أخلاقيات ولوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم، الحكومة الإنجليزية لمنع ما وصفقته بـ”غسل انتهاكات حقوق الإنسان عبر الرياضة”، وطالبت، في رسالة وجهتها إلى وزير الدولة للثقافة الرقمية والإعلام والرياضة الإنجليزي بمنع الدول ذات السجل الحقوقي السيئ من الاستثمار في أندية كرة القدم الناشطة في البلاد.
ورغم توالي التحذيرات بشأن مخاطر الصفقة، من غير المرجح أن المملكة سوف تتراجع عنها أو عن هذا النوع من الاستثمارات بشكل عام، باعتبار أن عقلية “المغامرات غير المحسوبة” هي التي تتحكم في إدارة المملكة منذ صعود ولي العهد “محمد بن سلمان” إلى سدة السلطة، وهو وضع لا يبدو أنه على وشك أن يتغير خلال المدى المنظور على الأقل.