الأول: ان تكون الاسرة الحاكمة قد قامت بحركة تمرد ضد حكم الأمير بن سلمان ووالده بعد ان طفح كيلها، وكان الاميران المعتقلان رأس حربة فيها، واتفاق الاسرة على اختيار الأول (الأمير احمد) ملكا، والثاني (محمد بن نايف) وليا للعهد، في اطار عملية “إعادة ترتيب” للبيت السعودي، والعودة الى صيغة الحكم السابقة التي “انكسرت” بوصول الملك سلمان الى العرش، أي “النهج المحافظ”، وانهاء الحرب في اليمن بأسرع وقت ممكن، واتباع سياسة عربية ودولية متوازنة ابرز ملامحها المصالحة مع دول الجوار، وتخفيف حدة العداء مع ايران وتركيا.
الثاني: اقدام الأمير بن سلمان على القيام بضربة استباقية للتخلص من اقوى خصومه اللذين لم يبايعوه مطلقا كولي عهد، وخاصة الأمير احمد، عضو هيئة البيعة وقادوا المعارضة لحكمه تمهيدا للإطاحة بوالده الملك من العرش، وتتويج نفسه ملكا مطلقا على البلاد، تحت “ذريعة” مرض والده، وعدم قدرته على ممارسة مهامه.
أنباء هذه الاعتقالات “المفاجئة” نشرتها ابرز صحيفتين امريكيتين، الأول “وول ستريت جورنال” الاقتصادية اليمينية المفضلة لكل من الأمير بن سلمان نفسه والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والثانية “نيويورك تايمز” المنتقدة للاثنين، وهذا يعني ان جهة أمريكية عليا، ربما البيت الأبيض، او المخابرات الامريكية، هي التي سربت هذه الانباء متعمدة، وربما بإيحاء من الأمير بن سلمان نفسه، لإيصال رسالة الى الأعضاء الغاضبين والمعارضين بصمت لحكمه داخل الاسرة، بأنهم سيواجهون المصير نفسه اذا تحركوا، او اعترضوا، او تضامنوا مع المعتقلين.
الأمير بن سلمان، ومنذ اتهامه بالمسؤولية الكبرى عن اغتيال الصحافي جمال خاشقجي وتقطيع جثمانه في مقر القنصلية الامريكية في إسطنبول، ابتعد كثيرا عن الأضواء، وبات يدير الحكم من خلف ستار، ربما لأسباب امنية، لإدراكه بوجود معارضة قوية له في أوساط الاسرة الحاكمة تحديدا، حيث تتولى حراسته، وتقديم استشارات امنية له، العديد من أجهزة الاستخبارات المحلية والعالمية، والأمريكية والفرنسية والبريطانية خصوصا، حسب معلومات مؤكدة من مصادر مقربة منه.
الأمير احمد بن عبد العزيز الأخ الشقيق للملك سلمان، واصغر أبناء الملك عبد العزيز من الاميرة حصة السديري (لهذا يطلق عليهم اسم الجناح السديري)، يتمتع بشعبية كبيرة، سواء داخل الاسرة الحاكمة، او في بعض الأوساط الشعبية، لأنه لم يبايع الامير بن سلمان وليا للعهد، وجاهر بمعارضته وسياساته في مجالسه الخاصة، واثناء وجوده في لندن حيث انتشر شريط فيديو يتحدث فيه الى محتجين ضد حرب بلاده في اليمن، ويهتفون امام مقر اقامته بسقوط الاسرة الحاكمة، ويقول لهم ما معناه ما ذنب “آل سعود” المسؤول عن حرب اليمن هم الملك وولي عهده.
وذكرت مصادر خليجية دخلت مجلسه في الرياض لـ”راي اليوم” انه لم يلعق صورة بن سلمان الى جانب صورة والده في صدر المجلس، وتحول مجلسه الى مركز تجمع للمعارضين من الامراء والعامة.
توجيه تهمة “الخيانة العظمى” والانخراط في محاولة انقلاب للمتهمين الثلاثة عقوبتها في القانون السعودي “الإعدام”، وقد يتم تنفيذ العقوبة “فورا”، او سجن المتهمين لأطول فترة ممكنة انتظارا للتنفيذ، والامر يتوقف في الحالين على ردود فعل الاسرة الحاكمة على الاعتقال ومن ثم اصدار هذه العقوبة.
حكم الملك سلمان وولي عهده يواجه ظروفا سياسية واقتصادية صعبة هذه الأيام، فانخفاض أسعار النفط بسبب “الكورونا” بحوالي 5 بالمئة، ووجود فائض في المعروض تريد “أوبك” تخفيض الإنتاج بحدود مليوني برميل يوميا، لوقف انهيار الأسعار (سعر البرميل 50 دولارا حاليا) قد يؤدي الى رفع العجز في الميزانية العامة من 60 مليار الى ما يقرب الى المئة مليار، خاصة بعد الغاء مناسك العمرة، وربما الحج لاحقا، حيث يبلغ عدد المعتمرين 18 مليونا سنويا، والحجاج مليونين، يأتون من الخارج ويدرّون على الخزينة السعودية عشرات المليارات من الدولارات سنويا.
لم يصدر حتى كتابة هذه السطور أي تأكيد او نفي لعملية الاعتقال هذه من الحكومة السعودية، ولكن الصمت يوحي بالموافقة والاعتراف بحدوثها اعتمادا على تجارب سابقة.
المملكة العربية السعودية كانت قبل هذه الاعتقالات تواجه حالة من “الغموض” و”الارتباك” بسبب خسائرها في حرب اليمن، ووصول صواريخ الحوثيين الى الرياض ومنشآت أرامكو العملاقة في ابقيق وخريس، وأخيرا في ميناء ينبع على البحر الأحمر، ومن المؤكد ان حالة القلق والارتباك قد تتفاقم بعد اعتقال ابرز اميرين في الاسرة الحاكمة.
الأيام القادمة قد تشهد تغييرات وتطورات مفاجئة في المملكة.. والله اعلم.