لماذا طارَ اللواء علي المملوك “سِرًّا” إلى القامشلي والتَقى زُعماء العشائر العربيّة فيها؟ هل اقتربت حرب العِصابات ضِد الاحتلال الأمريكيّ لتحرير شرق الفُرات واستِعادة آبار النّفط للسّيادة السوريّة؟ وما عُلاقة قصف القواعد الأمريكيّة في حقل العمر بنظيره لقاعدة “عين الأسد” في الأنبار العِراقيّة؟
عبد الباري عطوان // مجتهد نيوز//
قبل شَهرٍ تقريبًا، أعلن الرئيس السوريّ بشار الأسد في حديثٍ مع قناة “روسيا اليوم” إنّه لا يستطيع مُحاربة أمريكا الدّولة العُظمى التي تحتَل قوّاتها آبار النّفط السوريّة شرق دير الزّور، ولكنّه لا يستبعِد أن يتم اللّجوء إلى “قوّات مُقاومة” تشُن حرب عِصابات ضِد هذا الوجود الأمريكيّ الاحتِلاليّ وطرده على غِرار ما حدَث بالعِراق.
اليوم حمَلت إلينا وكالات الأنباء العالميّة أنباءً عن قِيام “مجهولين” بشَن هُجوم بالصّواريخ على قاعِدةٍ عسكريّةٍ أمريكيّة في حقل العمر النّفطيّ السوريّ شرق الفُرات، وبعد أيّام معدودة من استِهداف طائرات تابعة للجيش السوري لمَصافي نفط “غير شرعيّة” لتكرير النّفط المَسروق في ريفيّ جرابلس والباب شرقيّ حلب الواقِعة تحت سيطرة ما يُسمّى بالجيش الوطنيّ السوريّ التّابع للمُعارضة، ويحظَى بدعم القوّات التركيّة ممّا أدّى إلى سُقوط عدد من القَتلى والجرحى في سابقةٍ فريدةٍ من نوعِها.
السّؤال الذي يطرح نفسه بقوّةٍ هو عمّا إذا كانت هذه الهجَمات، سواء من قبل الطّيران الحربيّ السوريّ، أو قوّات “مجهولة”، هي بِداية الحرب السوريّة لمَنع سرقة النّفط وتهريبه، من قِبَل عُملاء أمريكا شرق الفُرات، وفي إطار حرب عِصابات ضد الوجود العَسكريّ الأمريكيّ في هذه المناطِق؟
ما يُرجِّح الإجابة بـ”نعم” على هذا السّؤال هو أنّ الهُجوم الأخير على قاعِدة حقل العمر العسكريّة الأمريكيّة المذكورة آنِفًا، تزامَن مع إطلاق أربعة صواريخ على قاعدة “عين الأسد” الأمريكيّة على الجانب الآخَر في مُحافظة الأنبار، وبعد أربعة أيّام من زيارةٍ غير مُعلنةٍ مُسبَقًا قام بِها مايك بنس نائب الرئيس الأمريكيّ للقاعِدة.
***
الرئيس ترامب يتباهى بالسّيطرة على آبار النّفط السوريّة، ويُجاهِر بأنّه يُريد التصرّف بعوائدها مِثلما يشَاء بما في ذلك إعطاء جُزء منها لقوّات سورية الديمقراطيّة ذات الغالبيّة الكرديّة والمَدعومة أمريكيًّا، ولكن الأخطَر من ذلك التّصريحات التي أدلى بها رجُل الأعمال الإسرائيلي موردخاي خانا لصحيفة “إسرائيل هيوم” المُتطرّفة قبل أُسبوعَين، وأكّد فيها توقيع شركته الإسرائيليّة “Global Development corporation” عقدًا مع الإدارة الذاتيّة الكرديّة في شِمال شرق سورية بنَقل جميع حُقوق التّنقيب عن النّفط واستِخراجه إليها، مُشدّدًا على أنّه “لا يُريد أن يكون هذا النّفط وعوائده من نصيب إيران أو نظام الأسد، وعندما تُعطِي إدارة ترامب الضّوء الأخضر سنَبدأ في تصديره بأسعارٍ عادلةٍ، واستخدامه لبناء سورية ديمقراطيّة والدّفاع عنها”.
النّفط المَسروق من هذه الآبار السوريّة يصِل إلى 125 ألف برميل يَوميًّا ويُمكن أن يصِل إلى 400 ألف برميل يَوميًّا إذا ما جرَت عمليّة صيانة للآبار بمَعدّات حديثة، ويصِل الدّخل من جرّاء بيع هذه الكميّة حاليًّا حواليّ 36 مليون دولار شَهريًّا، وكانت هذه الآبار تحت سيطَرة قوّات “الدولة الإسلاميّة” (داعش) لأكثر من ثلاثة أعوام قبل هزيمتها، والقَضاء على وجودها وعاصِمتها الرقّة في الأرضي السوريّة والعِراقيّة.
لا نُبالغ إذا قُلنا أنّ المَرحلة الثّانية من الحرب في كُل من سورية والعِراق قد تدور في المناطق الحُدوديّة للبَلدين، حيث تُوجَد آبار النّفط والغاز، والقواعد العسكريّة الأمريكيّة التي تحميها، الأمر الذي يُعيد إلى الأذهان “حرب العِصابات” التي شنّتها المُقاومة العِراقيّة بعد الاحتلال الأمريكيّ للعِراق، وأدّت إلى مقتل حواليّ 5000 جندي ومُتعاون أمريكي، وإصابة حواليّ 32 ألف آخرين، ممّا دفع بالرئيس الأمريكيّ باراك أوباما إلى سَحب جميع قوّات بلاده بنِهاية عام 2011.
السوريّون لعِبوا دَورًا كبيرًا في تمويل وتسليح قوّات المُقاومة هذه، وتملك أجهزتهم الأمنيّة الرسميّة خِبرةً كبيرةً في هذا الميدان، أيّ ميدان حرب العِصابات، ولا نستبعد أن تكون الزّيارة التي قام بها اللواء علي المملوك رئيس مكتب الأمن الوطني السوري المُفاجِئة إلى مِنطقة شمال شرق البِلاد، واجتماعه مع وجَهاء العشائر العربيّة في مطار القامشلي لبحث “تفعيل دور العشائر في مهام حِماية المِنطقة” إلا اللُّبنة الأُولى في هذا الاتّجاه، علاوةً على مهامٍ أُخرى من بينها عرقَلة إنشاء المِنطقة الآمنة التي تُريد تركيا إقامتها، وزعزعة استِقرارها، وجعلها جَيبًا لتوطين قوّات المُعارضة المُسلّحة.
اللواء المملوك وحسب وكالة “رووداو” الكرديّة التي أذاعت النّبأ، التَقى بحواليّ 20 شخصيّة من قادة ووجهاء العشائر والقبائل العربيّة في المِنطقة “لتفعيل دورها الوطنيّ في حِماية المناطق شِمال شَرق البِلاد، وعدم الانجِرار في دعم المجموعات المُسلّحة بمُختَلف تشكيلاتها” وربّما القصد بهذه المجموعات القوّات الكرديّة والأمريكيّة، والمُوالية لتركيا أيضًا التي قد تتمركَز فيما يُسمّى بالمِنطقة الآمِنة.
***
النّفط والغاز السوريين هُما ثرَوات لكُل السوريين بمُختلف أعراقهم ومذاهبهم، ويجب أن تعود عوائده كامِلةً لخزينة الدولة السوريّة، لتَوظيفها في مشاريع إعادة الإعمار الوشيكة، وسَد حاجة الشّعب السوري من الطّاقة وكَسر الحِصار الأمريكيّ المَفروض عليه في هذا المِضمار.
نحنُ على ثقةٍ أنّ قوّات الجيش العربي السوري المَدعومة بوحَدات المُقاومة السوريّة، وقوّات الحشد الشعبي العِراقيّة، ستتكاتف جَميعًا لاستعادة سِيادة الدولة على كُل شرق الفُرات، وإجبار القوّات الأمريكيّة على الانسِحاب مَهزومةً، مثلما فعَلت عندما استعادت مُعظم الأراضي السوريّة في السّنوات الثّماني الماضِية في معارِكٍ هي الأشرَس والأطوَل في تاريخ المِنطقة.
وصول اللواء المملوك إلى القامشلي واجتماعه بشيوخ العشائر العربيّة، وربّما للمرّة الأُولى مُنذ بِداية الأزمة، لم يكُن لـ”التّعارف”، أو “السّياحة”، وإنّما للتّمهيد للمعارك القادِمة لاستعادة شرق الفُرات وآبار نفطه، وتوزيع الأدوار، ومن يعرِف اللواء المملوك وهذه العشائر العربيّة الأصيلة، ومشاعرها الوطنيّة، وكُرهها للأمريكان وعُملائهم واحتِلالهم، وبأسَها في ميدان المعارِك، يُمكِن أن يتصوّر شراسة سِيناريوهات المرحلة المُقبلة.. والأيّام بيننا.