ضغوط دولية أجبرت الحكومة السودانية على سحب قواتها من اليمن… والسعودية تطالب “حمدوك” بالمال الذي دفعته.
مجتهد نيوز //
يعود ملف الوجود العسكري السوداني في اليمن ضمن التحالف السعودي الإماراتي إلى الواجهة من جديد، بعد حديثٍ لرئيس الحكومة السودانية عن سحب بلاده نحو 10 آلاف جندي من اليمن.
ومثلت القوات السودانية المشاركة في الصراع باليمن نقطة ضغط قوية على حكومة ما بعد الثورة، خاصة أن هذا الملف كان بين قائمة أبرز الملفات التي أثارت حفيظة الشارع السوداني.
وليست هناك حصيلة رسمية عن عدد القوات السودانية المشاركة في اليمن، لكن بعض المصادر تشير إلى أن ما بين 20 و30 ألفاً، وغالبيتها من قوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب انتهاكات واسعة ضد المدنيين في دارفور غربي السودان، استخدمتها السعودية والإمارات في الخطوط الأمامية خلال قتال الحوثيين.
سحب 10 آلاف جندي
عودة الحديث والجدل حول القوات السودانية، بعدما أعلن عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني، في 8 ديسمبر الجاري، أن عدد الجنود الذين يقاتلون في اليمن ضمن التحالف بقيادة السعودية قد خُفِّض من 15 ألفاً إلى خمسة آلاف.
وقال حمدوك للصحافيين عقب وصوله من زيارة الي الولايات المتحدة استمرت ستة أيام إن “عدد الجنود السودانيين في اليمن كان في البداية 15 ألفاً والآن تم تخفيضه إلى خمسة آلاف”.
وأضاف: “نؤمن بأن الحل في اليمن هو سياسي، والسودان على استعداد لمساعدة اليمنيين في التوصل” إلى هذا.
وفي نهاية أكتوبر الماضي، قالت وسائل إعلام سودانية إن نائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي السوداني، محمد حمدان دقلو، أعطى أوامر بسحب 10 آلاف من القوات السودانية في اليمن، وذلك في اجتماع ثلاثي شهد حضور ممثلي مجلسي السيادي والوزراء وقوى الحرية والتغيير، بالقصر الرئاسي.
وفي عام 2015، أرسل السودان قوات للقتال ضمن التحالف، وذلك إبان حكم الفريق عمر البشير الذي أطاح به الجيش في أبريل الماضي، إثر احتجاجات شعبية امتدت أشهراً.
ضغوط داخلية وخارجية
منذ إعلان مشاركته في حرب اليمن على جماعة الحوثي بجانب تحالف المملكة العربية السعودية والإمارات، ظل شد وجذب داخلي يعتري مسيرة المشاركة السودانية في تلك الحرب مع ضغوط داخلية وخارجية عديدة.
ولم يكن قرار تقليص أو سحب القوات السودانية من اليمن قراراً عشوائياً، بل خطوة تقف خلفها عوامل متعددة على رأسها الضغوط الدولية الممارسة على السعودية لوقف نزيف الدم في اليمن، بعد الإدانات الكبرى التي تعرضت لها المملكة ولا تزال، بسبب الانتهاكات التي مارستها قوات التحالف فوق التراب اليمني.
كما مثلت هذه القضية نقطة ضغط قوية على حكومة ما بعد الثورة، خاصة أن هذا الملف كان بين قائمة أبرز الملفات التي أثارت حفيظة الشارع السوداني بعدما رهن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير القرار السياسي لبلاده باسترضاء قوى خارجية على رأسها السعودية.
وقد امتد الرفض الشعبي للمشاركة السودانية في حرب اليمن منذ كان البشير في الحكم، إذ كان بزرت الضغوط الشعبية الرافضة والمتهمة له بتغليب مصلحته الشخصية على حساب المصالح العليا للبلاد، ثم المجلس العسكري الذي كان ضمن أعضائه حميدتي الذي يوصف بأنه مندوب السعودية والإمارات في بلاده، وصولاً إلى الحكومة التي يرأسها حمدوك، التي وجدت نفسها عاجزة عن تقديم مبررات للشارع بشأن الإبقاء على قوات سودانية تحارب بالنيابة عن السعوديين والإماراتيين ضد الحوثيين.
الضغوط أسهمت بسحب القوات
ويقول الناشط السوداني حسام أبو الفتوح، إن من بين العوامل التي دفعت لسحب القوات السودانية في اليمن، عامل خارجي تمثل في الضغوط الدولية على السعودية لإيجاد حل سلمي للقضية اليمنية، إلى جانب الخسائر الباهظة التي كلفت السعودية والإمارات.
وفي حديثه لـ”الخليج أونلاين” قال أبو الفتوح، إن موجات الانتقادات الحقوقية الدولية التي تعرض لها النظام الملكي السعودي، كان أحد الأسباب الرئيسية لولي العهد محمد بن سلمان لتصحيح الصورة ومغازلة الرأي العام العالمي، من خلال الحديث عن الخيار السلمي كحل وحيد للوضع في اليمن.
ما الدور الذي لعبته القوات السودانية؟
في مارس من عام 2015، أعلن وزير الدفاع السوداني المكلف وقتها، الفريق أول ركن مصطفى عثمان عبيد، عن مشاركة الجيش السوداني في “تحالف الحزم” في اليمن، من منطلق “المسؤولية الإسلامية لحماية أرض الحرمين الشريفين والدين والعقيدة”.
ومنذ ذلك الوقت ظلت القوات السودانية المكوّنة من الأركان البرية والبحرية والجوية، تقاتل في صفوف التحالف بقيادة السعودية في اليمن، حتى بلغ عددها 30 ألف جندي، طبقاً لتصريحات صحافية سابقة لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي).
القوات السودانية أُرسلت إلى الحد الجنوبي السعودي مع اليمن، وجزء منها تسلم تأمين المقار الحكومية والقواعد العسكرية جنوب اليمن، إضافة إلى مشاركتها في معركة الساحل الغربي للبلاد ضد الحوثيين.
كما تتولى هذه القوات حراسة القواعد الإماراتية في جنوب اليمن، واتخذها التحالف وقوداً لمدافعِه في معركة الساحلِ الغربي، وفقاً لصحيفة لوموند الفرنسية.
وتواجدت القوات السودانية تحديداً في عدن وتعز والحديدة ولحج وحجة وصعدة، وقد شارك أفرادها في جميع عمليات التحالف تقريباً في جنوب اليمن.
خسائر وأرقام غير معروفة
وبرز ظهور خسائر الجيش السوداني في عملياته العسكرية خصوصاً في الساحل الغربي إذ كانت الإمارات تهدف للسيطرة على مدينة الحديدة، والمناطق الحدودية مع اليمن في “ميدي وحرض”، بعد استخدام السعودية لتلك القوات لحماية حدودها من هجمات الحوثيين المتكررة.
جماعة الحوثي قالت، مطلع أكتوبر الماضي: إن “إجمالي خسائر مرتزقة الجيش السوداني منذ بداية العدوان يتجاوز الـ8 آلاف قتيل ومصاب منهم 4253 قتيلاً”، وذلك حسب قناة “المسيرة” الناطقة باسمهم.
وسريعاً ما رد الجيش السوداني على تصريحات الحوثيين، وقال الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني، العميد ركن عامر محمد الحسن، لقناة “روسيا اليوم” الروسية: إن “عدد القتلى المعلن من قبل الحوثيين لا يسنده أي منطق”.
وكان قائد قوات الدعم السريع في السودان، الفريق محمد حمدان حميدتي، اعترف في سبتمبر 2018، بمقتل 412 جندياً سودانياً، بينهم 14 ضابطاً، في حين قدر مصدر حكومي عدد الذين قتلوا من الجيش السوداني في حرب اليمن بنحو 850 ضابطاً وجندياً، وفقاً لـ”نيويورك تايمز”.
مستنقع اليمن
يقول المحلل السياسي اليمني ناصر العمري، إن السعودية والإمارات سحبت معها السودان إلى وحل المستنقع اليمني، من أجل أهدافها الخاصة، في الوقت الذي ليس هناك أهداف واضحة للخرطوم.
وفي حديثه، أوضح لـ”الخليج أونلاين”، أن البشير أدخل السودان في مستنقع حرب اليمن، وتسبب في خسارة عناصر الجيش وورطه في صراعات وتوترات وتصفية حسابات ليس له دور فيها، بهدف الاستفادة من أموال الحرب “هو وأعوانه”.
وأضاف: “السودانيين لم يجنوا من تلك الحرب سوى خلق عداوة دائمة مع الشعب اليمني، وضياع أرواح جنود سودانيين وضياع سمعتهم وتصنيفهم كمرتزقة، لأن السعودية والإمارات لو كانت جادة بالقضاء على الحوثيين لوجدت عشرات الآلاف من الجنود اليمنيين المدربين والعارفين للجبال والوديان، والذين كانوا سيسحقون عناصر الحوثيين”.
وتابع: “بينما كان الجنود السودانيون في صفوف المعركة الأمامية يدفعون لسداد كلفة الحرب بالمقاتلة والمدافعة وحدهم، كان السعوديون والإماراتيون يتفرجون عليهم، وأحياناً كانوا يلقون بهم إلى المحارق رغم معرفة تلك المخاطر”.