كانَ خِطاب السيّد حسن نصر الله الذي ألقاهُ اليوم، وخصّص مُعظمه للحديث عن الوضع الداخليّ، والأخطار التي يُواجهها لبنان، خِطاب “رجل دولة” وليس زَعيم حركة مُقاومة فحَسب، لأنّه حرِص على التّأكيد طِوال الوقت على إيجابيّات الحِراك، وأبرزها تَجنُّب اللّبنانيين المُنتَفضين الفوضى والوقوع في مِصيدة الاقتتال الدّاخلي من خِلال استفزازات عديدة أبرزها كَم السّباب والشّتائم والخوض في الأعراض التي جرى إعدادها بإحكامٍ من قِبَل قِوى عديدة أبرزها الولايات المتحدة التي قال إنّها لا تُريد الأمن والاستقرار للبنان.
كان تصرّف السيّد نصر الله حَكيمًا عندما طلب من أنصاره الانسِحاب من الشّوارع والميادين لتّجنُّب الاحتكاك، بَل والصِّدام مع التيّارات الأُخرى، خاصّةً تلك المُعادية لحزب الله وحُلفائه، والشّيء نفسه يُقال أيضًا عن الشّابات والشبّان المُنخرطين في الحِراك الذين أظهروا درجةً عاليةً من الوعي الوطنيّ، وتصرّفوا بطريقةٍ حضاريّةٍ مسؤولة، بحِفاظهم على الدولة اللبنانيّة وهياكِلها، وتسليط الأضواء بجُرأةٍ على الأمراض التي نخَرت الحياة السياسيّة اللبنانيّة، وأبرزها الفساد، فساد النُّخبة الحاكِمة ولوردات الإقطاع والحرب الذين سرَقوا المال العام في وضَح النّهار وما زالوا وأكّدوا أنّه لن يُوقفوا حراكهم إلا إذا جرى التصدّي لحيتان الفَساد هذه وبسُرعةٍ، واستعادة كُل الأموال التي سَرقوها، وتقديمهم إلى القضاء.
كان لافِتًا اعتراف السيّد نصر الله باستِفحال الفساد، وتَورُّط بعض حُلفائه البارزين فيه، ولكنّنا نَعتقِد في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” أنّه كان عليه أن يُسمِّي بعض الأسماء، وأن لا يكتفي بالعُموميّات لأنّ هؤلاء يُشَكِّلون عِبئًا عليه، وينطَحون من رصيده الوطنيّ، وأن يُصِر على استبعادهم، بِما يملكه من قُوّةٍ، من هياكل الدولة، ودائرة صُنع القرار فيها، وعدم إشراكهم في أيّ حُكومات قادِمة.
نعم يجب أن تُصغي أيّ حُكومة جديدة لكُل مطالب المُنتَفضين والثوّار في الشّارع اللبنانيّ الشرعيّة والعادلة، وأن تعمل على تنفيذها جميعًا، وأن يكون أعضاء كُتلة حزب الله فيها هُم النّاطقين بصَوت الحِراك ونُشطائه، وجِهاز الرّقابة الصّارم على الحُكومة وأدائها، ووضع استراتيجيّة واضحة لخطوات إصلاحيّة حتميّة قادمة تُنهي هذه المُحاصصة الطائفيّة البَغيضة.
استقالة حُكومة السيّد سعد الحريري لم تَكُن الصّدمة الإيجابيّة، لأنّها لم تحظَ بأيّ شعبيّة في الشّارع اللبنانيّ الحقيقيّ، وكانت ووزراؤها تجسيدًا صادِقًا للفساد، ورَمزًا له، ولهذا لم يَذرِف الحِراك وشبابه من الجنسين دمعةً واحدةً على رحيلها، بل اعتبروا هذه الاستقالة أوّل ثِمار حِراكهم وثورتهم، فالسيّد نصر الله أكّد ما نقول، وما يقوله الحِراك أيضًا، من غيابٍ كاملٍ للشفافيّة في أوساطها، لمصلحة سيادة النِّفاق والازدواجيّة بأشكالها كافّة، عندما كشَف أنّ مُعظم الوزراء في الحُكومة كانوا يُؤيّدون الضّرائب التي فجّرت الحِراك في الاجتماعات المُغلقة، وخرجوا في العلن يُدينونها ويَتبرّأون منها.
الحِراك يجِب أن يستمر لإفشال رِهان النُّخبة السياسيّة الحاكِمة الفاسِدة على عُنصر الوقت، وملَل الحِراكيين، وقُبولهم بالفُتات، وعودة الأُمور إلى حالها السّابق، يستمر حتى تتحقّق جميع مطالبه المشروعة، وعدم السّماح بالعودة إلى الوراء مُطلَقًا.
لم ينسَ السيّد نصر الله في غمرة إنشغاله بالأوضاع الداخليّة المُلتهبة حاليًّا، وعدم انزلاق البِلاد إلى الفوضى والاقتتال الداخلي والفَراغ السياسيّ، أن يُنبِّه إلى أمْرٍ مُهم جدًّا في خطابه، وهو التّصدّي لطائرةٍ إسرائيليّةٍ مُسيّرة اخترقت الأجواء اللبنانيّة في الجنوب، وتأكيده على أنّه سيَظل مُستمرًّا في تعهّداته بتنقية هذه الأجواء من أيّ طائرات إسرائيليّة مُعادية، والعمل على إسقاطها بالأسلحة المُناسبة التي فاجأت، وستُفاجئ العدو الإسرائيليّ ومُؤسّسته العَسكريّة.
النّقطة الأساسيّة التي لا يُمكن القفز فوقها أو نِسيان ذكرها في هذه العُجالة، هو فصله بين المُقاومة التي هي شرف لكُل لبنانيّ وعربيّ ومُسلم، والوضع الداخليّ اللبنانيّ، وهذا الفَصل يُؤكِّد على “صوابيّة” سُلّم الأولويّات لحزب الله الذي تتربّع على قمّته إرادة التّصدّي للاحتلال الإسرائيلي، وتحرير كُل الأراضي المُحتلّة، والحِفاظ على سِيادة لبنان على كُل تُرابه الوطنيّ، ما فوقه وما تحته.
“رأي اليوم”