عبد الباري عطوان// مجتهد نيوز//
تَوجيه المُدّعي العام الإسرائيليّ مساء اليوم الخميس الاتّهام رَسميًّا إلى بنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء، بجرائِم الاحتِيال والرّشوة وخِيانة الأمانة التي ستُنهِي حياته السياسيّة خلف القُضبان، ذكّرني بِما قاله لي المرحوم ياسر عرفات ونَحنُ نتمشّى خارج مكتبه في “يوغرته” التونسيّة وأنا هُنا أنقُل حَرفيًّا “واللهِ لم أرَ في حياتي شعبًا فاسِدًا مُرتشيًا مِثل الإسرائيليين،أو معظمهم، فقد استَطعت بالمال أن أشتري جِنرالات وأسلحةٍ، وأجنّد سياسيين وأهرّب بشَر”.
راوَدتني بعض الشُّكوك في صُدقيّة هذه التّوصيفات، ولكن بعد قضاء إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، الذي شنّ حربًا على لبنان عام 2006 حواليّ سبع سنوات خلف القُضبان بتُهم الفساد والرّشاوى، وها هو نِتنياهو المُتَغطرس الذي يَصِفه أتباعه “بملك إسرائيل” يسير على الدّرب نفسه، تبَدّدت كُل شُكوكي، وأيقَنت أنّ ما قاله الرّاحل كانَ دَقيقًا، فهو الأكثَر دِرايةً وخِبرةً بمَعادِن الرِّجال، أو هكذا أعتَقِد.
***
الشّرطة الإسرائيليّة وبعد إجراء تحقيقات مُكثّفة مع نِتنياهو والدّائرة المُحيطة بِه بِما في ذلك زوجته، أوصَت المدّعي العام أفيخاي ماندلبليت توجيه الاتّهامات المَذكورة، وأبرزها تلقّي هدايا بِما قيمته 264 من السّيجار وزُجاجات الشّمبانيا الفاخِرة، قبل عامٍ تَقريبًا، ولكنّه ماطَل في اتّخاذ الخطوة لأسبابٍ عديدةٍ قد يكون من بينها ردّ الجميل للرّجل الذي عيّنه في هذا المَنصب، أيّ نِتنياهو، حسب بعض التّقارير الصحافيّة.
الآن، وبعد أن فَشِل نِتنياهو وخصمه الجِنرال بيني غانتس، رئيس حزب “أبيض أزرق”، في تشكيل الحُكومة بعد إجراء انتخابات برلمانيّة لمرّتين، واحتِمال الذّهاب إلى الثّالثة في أقل من عام، ووجود توجّهات داخل حزب اللّيكود الحاكِم بالإطاحة بنِتنياهو من زعامته، من بينها احتِمال انشِقاق سبعة أعضاء أو أكثر في حال رفضه الاستِقالة وإجراء انتخابات على الزّعامة، لم يَجِد المدّعي العام أيّ ذريعة لمُواصلة تأجيل إصدار الحُكم بالإعدام السّياسي.
إنّها صَفعةٌ قَويّةٌ ومُهينةٌ ليس لنِتنياهو فقط، وإنّما لحُلفائه العرب والأمريكيين أيضًا، الذين لم يترُكوا حجَرًا إلا وقلبوه، أو خطوة إلا وأقدَموا عليها من أجل إطالة مدّة بقائه في السّلطة، وتجنبيه الذّهاب إلى السّجن، وخاصّةً دونالد ترامب الذي أغرقه بالهدايا السياسيّة المَسمومة، آخِرها تشريع الاستِيطان في الأراضي المُحتلّة.
دولة الاحتلال الإسرائيلي تنجرِف بسُرعةٍ إلى حالةٍ من الفوضى السياسيّة المُرشّحة للاتّساع، فما زالَ من غير المَعروف كيف ستَخرُج مِنها في ظِل الانسِداد الحُكومي الحاليّ غير المسبوق في تاريخها، ومن الأسئلة المَطروحة بإلحاح حاليًّا هو عمّن سيجلِس في مِقعد القِيادة بعد هذه النّهاية الفَضائحيّة لنِتنياهو؟
الخِيارات أمام نِتنياهو لإنقاذ نفسه باتت مَحدودةً جدًّا إن لم تكُن معدومة، ولم يعُد يملك تَفويضًا أخلاقيًّا أو شَعبيًّا لاتّخاذ قرارات مَصيريّة باسم الدّولة، للهُروب من هذا المأزق، بِما في ذلك الذّهاب إلى حَربٍ ضِد إيران أو سورية أو الإقدام على اجتِياح قِطاع غزّة، فلم يَعُد في أكمامه أيّ حيلة مِثلَما قال خصمه الجِنرال غانتس في بيانٍ رسميٍّ اليوم.
***
نعترف بأنّنا نقف في خندق الشّامتين، رغم أنّنا لا نُفرِّق بين رموز السّياسة الإسرائيليّة، سواءً كانوا مدنيين أو جِنرالات حاليّين وسابقين، فكلّهم أو مُعظمهم مُلطّخةٌ أياديهم بدِماء الأطفال الفِلسطينيين، ودولتهم قامت بالأساس على الاغتِصاب والقتل والعُنصريّة.
عندما احتفلت إسرائيل بذِكرى مُرور 50 عامًا على قِيامها، أعدّ الصّحافي البريطاني الشّهير جون سمبسون تقارير إخباريّة وثائقيّة من ثلاث حلقات تساءل في الأخيرة منها عمّا إذا كانت هذه الدّولة ستحتفل بعيدها المِئوي بسبب الأمراض العديدة التي بَدأت تنخَر جسَدها؟
الصّحافي سمبسون لم يُجِب على هذا السّؤال، ولكن طريقة طرحه كانت تقول الكثير في هذا المِضمار.
لا نعتقد أنّنا سنعيش ثلاثين عامًا، وهي الفترة التي تَفصِلنا عن هذه المُناسبة، حتى نَعرِف ما إذا كانت هذه “النّبوءة” ستتحقّق، ولكن ما نعرِفه جيّدًا، أنّ عُمر الأنظمة العُنصريّة قصير، ونِهايته معروفة والأمثلة كثيرة، والكِيان الإسرائيليّ لن يَكون استثناء.