عبد الباري عطوان// مجتهد نيوز//
وجّه مايك بنس نائب الرئيس الأمريكيّ صفعةً قويّةً ومُهينةً للنُّخبة العِراقيّة الحاكِمة اليوم، والسيّد عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء على وجه الخُصوص، عندما قام بزيارةً مُفاجئةً للقاعدة الأمريكيّة في عين الأسد (الأنبار) وتفقّد قوّات بلاده فيها، دون إبلاغ الرئيسين العِراقيين، الوزراء والجمهوريّة، بشكلٍ مُسبَقٍ بهذه الزّيارة، وغادَر إلى كُردستان العِراق دون أيّ لقاءٍ معهما.
زيارة بنس تأتي في خِضَم انتفاضةٍ شعبيّةٍ شرعيّة اندلعت مُنذ شهر تصدّت لها قوّات الأمن بالقبضة الحديديّة ممّا أدّى إلى قتل أكثر من 350 مُحتَجًّا حتى الآن، وأبرز مطالبها المشروعة وضع دستور جديد، وتعديل قانون الانتِخاب، واجتِثاث الفساد ومُحاكمة كُل الفاسدين، واستِعادة الأموال المنهوبة، وإلغاء المُحاصَصة الطائفيّة بأشكالِها كافّة.
***
إنّها زيارة مُريبة تَرمِي إلى صَب الزّيت على نارِ الفِتنة وتشويه صُورة الانتفاضة، وإهانة الدولة العِراقيّة في الوقت نفسه، وتعميق الانقِسام الطائفيّ في البِلاد، فحُكّام العِراق الحاليين، والسيّد عبد المهدي على وجه الخُصوص، يُعتَبرون من أصدقاء الولايات المتحدة، ووصلوا إلى سُدّة الحُكم بعد غزو العِراق واحتِلاله، وتَزكِيةً منها.
جميع مصائب العِراق الحاليّة هي نِتاج للغزو الأمريكيّ، وتفكيك الدولة العِراقيّة، وإعادة بنائِها على أُسسٍ طائفيّةٍ تفتيتيّةٍ صِرفَة، لإبقاء البلد ضَعيفًا ولُقمَةً سائِغةً وسَهلةً للنُّفوذ الخارجيّ، أمِريكيًّا كان أو إيرانيًّا أو سُعوديًّا.
حُكومة السيّد عبد المهدي، وكُل الحُكومات التي سبقتها، ارتَكبت خطأً استراتيجيًّا فادِحًا، عندما سمَحت ببقاء 5200 جندي أمريكي على الأرض العِراقيّة في قواعد تتمتّع بالاستِقلال الذّاتي، وكأنّها دولة داخِل دولة تحت ذرائِع مُتعدّدة، أبرزها أُكذوبَة مُحاربة “الدولة الإسلاميّة” “داعش”.
إذا كانت إيران هي صاحبة النّفوذ الأقوى في العِراق، وتملُك الفصائل المُسلّحة القويّة، فإنّها تُشارك في الخَطيئة نفسها وبَدورٍ كبيرٍ عندما سمَحت بوجود آمِن ومُستقرٍّ لهذه القواعد والجُنود المُقيمين فيها، ولم تُطالب الحُكومات الحَليفة لها بإخراجِها، خاصّةً بعد انتِهاء أبرز ذرائع وجودها، وهو مُحاربة “داعش”.
جميع الإدارات الأمريكيّة تعاطت مع العِراق كمُستَعمرة وليس كدولة مُستقلّة، وغزو إدارة بوش الابن عام 2003 واحتلاله، ونهب ثرَواته، كان لتَحقيق هذا الغرض، أيّ تمزيقه وإضعافه، وإلغاء دوره كقُوّةٍ إقليميّةٍ كُبرَى في المِنطَقة تَطبيقًا لوصيّة المُفكّر الصّهيوني برنارد لويس.
ليس من حَق السيّد عبد المهدي اتّهام الحِراك الشعبيّ الحاليّ بأنّه مدعوم أمريكيًّا، وهو الذي كان مِن أبرز الأصوات العِراقيّة التي دعَمت الغزو والاحتِلال والمُحاصَصة الطائفيّة، تحت شِعارات مَغشوشة أبرزها الديمقراطيّة وحُقوق الإنسان وإلغاء الطّائفيّة.
الأمريكيّون وبتحريضٍ من الصّهيونيّة العالميّة لا يُريدون عِراقًا قَويًّا مُستَقِرًّا خاليًا من الفساد والفاسِدين، وإنّما يُريدون عِراقًا ذَليلًا جائِعًا فاسِدًا يفتَقِد إلى الهُويّة الوطنيّة الجامِعة المُوحّدة، وسيفعلون كُل ما يستطيعون للوصول إلى هذهِ الأهداف.
ومِثلَما خدعت أمريكا العِراقيين والعرب والعالم بأسرِه بأُكذوبَة أسلحة الدّمار الشّامل، ها هي تُكرِّر السِّيناريو نفسه، وتستخدم الفزّاعة الإيرانيّة هذه المرّة، ومن أجل استِبدال النُفوذ الصّهيوني بالنّفوذ الإيراني، ليس في العِراق فقط، وإنّما في المِنطقةِ بأسرِها، وهي المُعادلة التي واجَهها النّظام العِراقي السّابق ودفَع ثَمنًا غاليًا نَتيجةً لذلك.
***
عندما يحترم المَسؤولون الأمريكيّون السّيادة العِراقيّة، ويتوقّفون عن زيارة قواعِدهم خِلسَةً، ومن وراء ظهر الحُكومة في بغداد، ودون عِلمها، نستطيع أن نقول إنّ هُناك حُكومة، ونخبة سياسيّة، ورئيس وبرلمان، أمّا عدى ذلك فسَقطُ المتَاع.
حُكومة وأحزاب تتحمّل هذه الإهانات الأمريكيّة لا يُمكِن الدّفاع عنها، أو حتّى احتِرامها.