تلويح رئيس الوزراء الإثيوبي بسَيف الحرب بسبب تَفاقُم الخِلاف حول سد النهضة يُصيب مِصر بالصّدمة.. لماذا وصلت الأمور إلى هذه الدرجة من التّصعيد؟ وكيف سيكون الرّد المِصريّ؟ وهل تنجح الوِساطتان الروسيّة والأمريكيّة في تطويق الأزَمة أم تزيدها اشتِعالًا؟
//مجتهد نيوز//
التّنافس الأمريكيّ الروسيّ على النُّفوذ ينتقل هذه الأيّام من سورية والخليج والعِراق إلى عُمق القارّة الإفريقيّة، وبالتّحديد إلى سد النهضة، موضِع الخِلاف المُتصاعد بين مِصر وإثيوبيا تَحديدًا.
الرئيس المِصري عبد الفتاح السيسي طالب أمريكا بالتوسّط لحَل الخِلاف بعد أن وصلت المُفاوضات بين الدول الثّلاث، مِصر وإثيوبيا والسودان، إلى طريقٍ مسدودٍ في جولتها الأخيرة في الخرطوم، بحُضور وزراء الرّي، مُنتَصف الشّهر الماضي، ولكن أمريكا لم تستجب لهذه المطالب بضُغوطٍ إسرائيليّةٍ، ولكن بمُجرَّد أن أعلن الجانِبان الإثيوبي والمِصري عن ترحيب الرئيس فلاديمير بوتين بعقد لقاء قمّة تحت رعايته بين الرئيس المِصري ونظيره آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، على هامِش القمّة الروسيّة الإفريقيّة التي بدأت أعمالها في سوتشي اليوم الأربعاء، سارعت الإدارة الأمريكيّة إلى توجيه دعوةٍ لوزراء خارجيّة الدول الثّلاث في واشنطن لبحث الخِلاف حول سد النّهضة برعاية مايك بومبيو، وزير الخارجيّة.
الجانبان الروسيّ والأمريكيّ ما كان لهُما أن يتَدخّلا لولا إدراكهما أنّ التوتّر يتصاعد بين البَلدين، أيّ مِصر وإثيوبيا، ويتّجه نحو الحرب بسبب إصرار كُل طَرف على مطالبه.
إثيوبيا تُريد المُضي قُدُمًا في بِناء السّد ومَلء خزّانه من المِياه في غُضون خمس سنوات، وتخفيض حصّة مِصر السنويّة بحواليّ خمسة مِليارات متر مُكعّب من النّيل الأزرق فقط (مجموع حصّتها 55.5 مليار متر مكعّب)، ومِصر تعتبر هذه الخطوة بمثابة تجويع لملايين الفلّاحين المِصريين، وتخفيض إنتاج السّد العالي من الكهرباء بسبب انخفاض ارتفاع منسوب المِياه اللّازم لتشغيل توربيدات توليد الكهرباء.
التّصريحات التي أدلى بها السيد آبي أحمد أمام البرلمان الإثيوبي التي هدّد فيها بإعلان الحرب على مِصر إذا لَزِمَ الأمر، كان لها وقع الصّدمة على الحُكومة المِصريّة، فلن تتوقّع من شَخصٍ فاز للتَّو بجائزة نوبل للسّلام أن يُلوّح بالحرب وبهذه الطّريقة الاستفزازيّة.
مِصر هي التي يجب أن تلوح بالحرب لأنّها المُتضرّر الأكبر من سد النّهضة، ولكنّها تميل إلى التّهدئة، واللُّجوء إلى الحِوار كطَريقٍ أنجع لتجنّبها، والوصول إلى تَسويةٍ سلميّة، ولكن إذا فشِلَت الوِساطتان الروسيّة والأمريكيّة في التوصّل إلى حلٍّ مُرضٍ للطّرفين، فإنّه من غير المُستعبد أن تكون مِصر هي البادِئة بالحرب، لأنّ قطع المِياه من قطع الأعناق.
المُؤلِم أنّه بينما تَقِف القارّة الإفريقيّة كلها، بِما في ذلك السودان، خلف إثيوبيا، وتُقدِّم لها الدّعم الكامل في خِلافها، تجِد مِصر نفسها وحيدةً، ومُجرّدةً من أيّ دعم عربيّ، خاصّةً من حُلفائها في مِنطقة الخليج الذين التزموا الحِياد، ومسَكوا العَصا من الوَسط.
السيّد آبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، كان استِفزازيًّا في تلويحه بالحرب ضِد مِصر، وتعبئة الشّعب الإثيوبي خلفه، وينسى أنّ مِئة مِليون مِصري يُمكن أن يُضحّوا بأرواحهم من أجل الحِفاظ على حِصّتهم المشروعة من مِياه النّيل، والمُوثّقة في مُعاهداتٍ دوليّة.
لا أحد يُريد الحرب، ولكن من يُجوّع ملايين الفلّاحين المِصريين، وتخسر مِصر ثُلث طاقة السّد العالي الكهربائيّة، فإنّ هذا أمرٌ لا يُمكن السّكوت عنه، بل لا يجِب السّكوت عنه، فإثيوبيا تستطيع مَد فترة مِلء خزّان سد النّهضة من خمس إلى سبع سنوات، وربّما لا يُعرّض مِصر لأيّ ضرر، ولكنّ التّحريض الإسرائيليّ لإثيوبيا، هو الذي يدفع بالأُمور إلى المُواجهة العَسكريّة.
نأمل أن يكون التّنافس الروسيّ الأمريكيّ على النّفوذ في إفريقيا، وسد النهضة، من أجل السّلام وليس الحرب، مِثلَما نأمل، في ظِل هذا التّهديد الإثيوبي الوجودي لمِصر وأمنها المائي والغذائي، أن يلتف جميع المِصريين خلف دولتهم، ويدعموا موقفها، كما أنّ هذه الدولة مُطالبةٌ في الوقت نفسه بتغيير نهجها المُتشدّد، ووقف أعمال القمع، وتفتح أبواب الحِوار مع جميع خُصومها ومُعارضيها، وصولًا إلى المُصالحة، وتعزيز الوحدة الوطنيّة.
القرن الواحد والعشرين هو قرن حُروب المِياه في الشّرق الأوسط خاصّةً، ويبدو أنّ زُعماء المِنطقة هُم آخِر من يعلم، وهُنا تَكمُن قمّة المأساة.
مِصر يجب أن لا تقف وحدها في مُواجهة هذا الخطر الذي يُهدّدها، وأن تحظى بدعم كُل العرب لأنّ مطالبها مشروعة في تأمين لُقمَة عيش الملايين من أبنائها، فهل يأتي الرّد بعقد قمّة عربيّة لبحثِ هذا الخَطر؟
“رأي اليوم”