اردوغان يعلن بدء الهجوم العسكري على شمال شرق سورية.. بوتين يرفض.. ايران تعترض.. الدولة السورية تتعهد بالدفاع عن أراضيها بكل الوسائل.. والاكراد يطلبون العودة الى دمشق.. كيف نقرأ هذه التطورات؟ وما هي النتائج المتوقعة؟ ومن سيكون الخاسر الأكبر؟
//مجتهد نيوز//
مصطفى اتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة له مقوله تُدرس في الجامعات والمدارس التركية تقول “الدخول في حروب جريمة ما لم تتعرض حياة الامة للخطر”، ومن المؤكد ان الرئيس رجب طيب اردوغان يحفظها عن ظهر قلب، ولكنه وهو العثماني رفض الاخذ بها، ولا بنصيحة حليفه الجديد فلاديمير بوتين الذي طالبه في اتصال هاتفي بـ”التفكير مليا” قبل شن الهجوم على شمال شرق سورية للقضاء على سيطرة قوات سورية الديمقراطية ذات الغالبية الكردية.
الرئيس اردوغان اعلن بنفسه بدء هذا الهجوم، وبدأت الطائرات الحربية التركية غاراتها بعد ظهر اليوم الأربعاء على منطقة “رأس العين” الحدودية، الامر الذي اثار حالة من الهلع في صفوف السكان، ودفع الآلاف منهم الى الهرب الى مناطق يعتقدون انها آمنة.
الهجوم البري الذي جرى تحشيد مئات العربات التركية المدرعة، واكثر من 80 الفا من مقاتلي الجيش الحر والفصائل السورية الأخرى التي تأتمر بأمر القيادة التركية، من المرجح ان يبدأ فور تحقيق هذه الغارات لأهدافها على الأرض، ولكنه قد يكون مكلفا بشريا سواء في صفوف المدنيين او المدافعين من العرب السوريين او الاكراد او القوات الغازية نفسها.
السلطات التركية شنت هذا الهجوم بعد انسحاب جزئي للقوات الامريكية من المناطق المستهدفة، وتخلي الامريكان عن حلفائهم الاكراد، وطعنهم في الظهر وتركهم يواجهون مصيرهم ضد عدو قوي مرة أخرى.
الرئيس اردوغان هدد وتوعد وحشد الدبابات والعربات المدرعة على حدود المنطقة المستهدفة شمال شرق سورية على امل ان يتم التدخل، من روسيا او أمريكا للتوسط للوصول الى حل تفاوضي، مثلما جرى في مرات سابقة، ولكن لم يجد استجابة، لان جميع الأطراف، والروس والسوريون خاصة يرفضون مثل هذا الهجوم، ويعتبرونه عدوانا وانتهاكا للسيادة السورية.
مشكلة الاكراد، سواء في شمال سورية او شمال العراق، انهم يفضلون دائما التحالف مع أعداء اشقائهم العرب، والامريكيين والإسرائيليين على وجه الخصوص، ولا يعترفون بهويتهم الوطنية السورية، الا بعد ان يطعنهم هذا الحليف الأمريكي الخائن في الظهر، ويفضل عليهم اعدائهم الاتراك.
بعد ان بات الانسحاب الأمريكي مؤكدا، وبدء الهجوم التركي في غضون ساعات، بدأ “الإدارة الكردية الذاتية” التي تمثل اكراد سورية اطلاق نداءات الاستغاثة سواء للروس، او للحكومة السورية بالتدخل لحمايتهم من هذا الهجوم التركي، وقال بيان صارد باسمها “الحل الأمثل من اجل نهاية الصراع والازمة يكمن في الحوار وحل الأمور في الاطار السوري السوري”، وناشدت روسيا بـ”القيام بدور الضامن في الحوار مع دمشق”.
القيادة السورية استقبلت وفدا يمثل هذه الإدارة الكردية في دمشق، وجرى التوصل الى تفاهمات تعهدت فيها هذه القيادة بحماية الاكراد والدفاع عنهم في مواجهة أي هجوم تركي، ولكنهم نكثوا كل هذه الاتفاقات، وذهبوا الى الامريكان ووقفوا في خندقهم ضد الدولة السورية، فهم يصبحون مواطنين سوريين من واجب الدولة حمايتهم عندما يريدون، واكراد يريدون التمسك بهويتهم الكردية، والانفصال عنها، عندما يتلقون أي إشارة بالدعم من أمريكا.
الحكومة السورية، ورغم هذه الجحود الكردية، اكدت منذ اللحظة الأولى لبدء الحشودات التركية استعدادا للهجوم “تنديدها بنوايا انقرة العدوانية وتعهدت بالتصدي لاي هجوم تركي”، وقال مصدر رسمي في الخارجية السورية في بيان نقله الاعلام “ندين باشد العبارات التصريحات الهوجاء والنوايا العدوانية للنظام التركي والحشود العسكرية على الحدود السورية” مؤكدا “التصميم والإرادة على التصدي لهذا العدوان بكافة الوسائل المشروعة”، وشدد البيان “ان سورية على استعداد لاحتضان أبنائها الضالين اذا عادوا الى جادة الصواب”، وهذا ليس غريبا على تسامح القيادة السورية وسعة صدرها.
لم تقدم أي حكومة أخرى للاكراد مثلما قدمت الحكومة السورية الحالية، 300 الف كردي، معظمهم جاءوا لاجئين من تركيا هربا من الاضطهاد، ولكنهم، او نسبة كبيرة، منهم ردت على هذا الجميل بالانخراط في المشروع الأمريكي الهادف الى تفتيت سورية ووحدتيها الديمغرافية والجغرافية.
الحرب في بدايتها، وما زالت مقتصرة حتى كتابة هذه السطور على الغارات الجوية، مما يعني ان احتمالات التراجع ما زالت محتملة، ولكنها محفوفة بالمخاطر بالنسبة للرئيس اردوغان، خاصة في ظل غياب الدعمين الروسي والإيراني بل ومعارضتها كليا، والاستعداد السوري للتصدي لهذا الهجوم، وهو تصد مشروع، ودفاعا عن التراب الوطني.
الرئيس اردوغان يؤكد انه يخوض هذه الحرب دفاعا عن الامن القومي التركي في مواجهة الارهاب، وهذا حق مشروع أيضا، ولكن ليس بالغزو والاحتلال، وانما بالحوار مع الجار السوري وبرعاية الحليف الروسي المشترك.
الرئيس بوتين كان حكيما عندما اقترح حلا ناجعا ومجربا للطرفين السوري والتركي، وهو احياء اتفاق اضنة الذي وقعه ممثلون عن البلدين عام 1998 وجرى الالتزام به، وحقق نتائج كبيرة في مكافحة الإرهاب وتحقيق السلام والامن للطرفين، ولكن الرئيس اردوغان رفض هذا الاقتراح الروسي، وفضل اللجوء للقوة على التنسيق والتعاون والتحاور مع دمشق، وهذا امر مؤسف، وقد تكون تركيا الخاسر الأكبر من جراء هذا الخيار المحفوف بالمخاطر وغير مضمون النتائج.. والله اعلم.
“راي اليوم”